كيف نحب الله "7"
اتخذه لك صديقا,ليكن أمامك باستمرار
بقلم قداسة: البابا شنودة الثالث
* إن أردت أن تحب الله,اتخذه لك صديقا..
بل ليكن صديقك الأول,الذي تهرع إليه قبل كل أحد.تكشف له أسرارك,وتحكي له كل شيء,وتشعر بعمق الراحة في الوجود معه.تحكي له كل أفكارك,وتكشف له أعماقك,بكل صراحة ,وبكل صدق,وبكل ثقة.بقلب مفتوح.ولا تسأم من الحديث إليه.بل تقول.
عندي كلام يارب لأقوله لك...
أنا يارب أثق بمحبتك لي,وبأنك تريد لي الخير,وتقدر علي ذلك .لماذا لا أحكي لك كما أحكي لأحبائي من البشر؟!أتراني أجد لذة في أن أفتح قلبي لهؤلاءالتراب والرمادتك18:27,وفي نفس الوقت أبعد عنك أنت يا خالق الكل؟!وكلما تدعوني إليك,أنشغل بأمور أخري,وأحتج بضيق الوقت..!!
لاشك أننا بالحديث مع الله ننفس عن أنفسنا..
ونجد راحة,إذ نلقي عليه كل همومنا,كأب محب لنا,نبادله الحب,ولا نخفي عليه شيئا.بل نجعله يشترك معنا في كل ما نفعل.وفي حب نسلمه أفكارنا ليقودها.ويصحح مسارها إن كان في مسلكها خطأ...
* ولكي تحب الله,اجعل أمامك باستمرار..
مثلما كان يقول داود النبيجعلت الرب أمامي في كل حين,لأنه عن يميني فلا أتزعزعمز16:8أع2:25.لاشك أن هذا الشعور يمنح القلب إيمانا وثقة وسلاما.ولهذا يقول داود بعد هذه العبارة..من أجل هذا,فرح قلبي وابتهجت روحي...
أو اجعل الرب أمامك,كما كان يقول إيليا النبي:
حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه1مل18:15.
وهكذا يملأ الرب حواسك,وبالتالي يملأ فكرك وقلبك,وتجد نفسك تحترس وتفعل كل مايرضيه.بل أيضا تشعر بصحبته لك.ليس فقط ليعرف أعمالكرؤ2:9,2...بل بالحري ليشترك معك فيها,أو يدعوك لأن تشترك معه فيما يريده لأجلك أو لأجل ملكوته.
وشعورك بوجود الله أمامك يمنحك قوة فلا تخطيء...
ومثال ذلك يوسف الصديق,الذي قالكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلي اللهتك39:9...لقد كان يري الله أمامه في ذلك الوقت,ولم يغب الله عن ذهنه لحظة واحدة.ومن محبته لله,لم يقلكيف أخطيء أمامهوإنما قال كيف أخطيء إليه؟!
إنك تضع صورا كثيرة في بيتك,تراها أمامك..
فلماذا لا تضع الله أمامك,مثل باقي الصور,بل قبلها؟
تراة أمامك في كل حين:حين تمشي في الطريق,وحين تكون في بيتك,وحين تجلس مع الناس..لاشك أن بطرس الرسول حينما أنكر الرب,لم تكن صورة الرب أمامه.ولكنه حينما صاح الديك,وتذكر الرب وما سبق أن قاله له,حينذاك خرج إلي خارج وبكي بكاء مرامت26:75.
إنك في محبتك لله,لست فقط تري الله أمامك,بل بالأكثر تري نفسك في حضنه...
وتقول كما في سفر النشيدشماله تحت رأسي,ويمينه تعانقنينش2:6.إنك ابنه الذي أحبك,ومن أجلك فعل الكثير.وإن تذكرت كل حبه لك,لابد ستبادله الحب,ولايمكن أن تخطيء بل تغني له كل يوم تسبيحا جديدا.وتقول مع عذراء النشيدحبيبي لي,وأنا له,الراعي بين الوسننش6:3تحت ظله اشتهيت أن أجلس,وثمرته حلوة لحلقينش2:3.
ما أجمل أن تشعر إن الله معك,وأنه ممسك بيدك,وهو أمامك,وعن يمينك,ومحيط بك...
أنت في يده اليمنيرؤ2:1.وقد نقشك علي كفهأش49:16.ولا يستطيع أحد أن يخطف من يده شيئايو10:28بل حتي جميع شعور رأسك محصاةلو12:7إن تذكرت هذا الإله المحب لك,وجعلته أمامك فأنك لابد ستحبه,وتشعر بالأمان والاطمئنان لوجودك في حضرته.
أتستطيع أن تحبه,وأنت لاتشعر بوجوده معك؟!
أتحبه غيابيا,وأنت لاتشعر بوجوده؟!ليس هذا الأمر معقولا...إننا يا أخي لسنا نحب إلها مجهولا.بل هوذا الرسول يقولالذي سمعناه,الذي رأيناه بعيوننا,الذي شاهدناه ولمسته أيدينا1يو1:1فإن كان الرسل قد رأوه عيانا فإننا نراه بالإيمان,مثلما قال داود النبي...الرب أمامي في كل حينمز16:8.
إذن ما هو مركز الله عمليا في حياتك,لكيما تحبه؟
هل تجعله أمامك في كل حين؟هل تري عمله في حياتك باستمرار؟أم تمر عليك أيام,لا يأتي فيها ذكر الله علي قلبك وذهنك إلي أن يذكرك به يوم الرب حين تدخل الكنيسة!!أم تراك تنسي أن يوم الأحد هو يوم الرب,وتسميه الـweek End!! حاول إذن أن تشعر باستمرار بوجودك في حضرة الله.وأن الله موجود معك,ويعمل معك ولأجلك.
علي أن القديس أوغسطينوس,وهو يري حياته في فترة ما قبل التوبة,يقول للرب عن تلك الفترة.
كنت يارب معي...ولكنني من فرط شقوتي لم أكن معك!
كما ظهر لتلميذي عمواس بعد القيامة ,وتكلم معهما ولم يعرفاهلو24وكما ظهر لمريم المجدلية ولم تعرفه وظنته البستانييو20.ليتك إذن تشعر بوجودك في حضرته تشعر أن عيني الرب ناظرتان إليك باستمرار.وأن يده تمسك بك,وأنه يرعاك بحيث لايعوزك شيءمز23:1.هذه المشاعر تغرس الحب في قلبك.
حاول أيضا أن تشرك الرب معك في كل عمل..
فمثلا,إن كنت ذاهبا إلي عملك,أو إلي مكان دراستك,أو حيثما أردت أن تذهب ,قل له-قبل أن تخرج من بيتك أنا يارب ذاهب إلي هذا المكان,فكن معي فيه.وسأقابل فلانا من الناس,وفقني في لقائه وفي الكلام معه,وضع في فمي الكلام الذي سأقوله...وهكذا تتحدث مع الله خلال اليوم.أو قبل أن تخرج من منزلك,قل له:أنا تارك يارب هذا البيت في رعايتك...وتمشي في الطريق وأنت شاعر أن الرب إلي جوارك.وقبل أن تبدأ العمل,مهما كنت ذكيا وصاحب خبرة,قل له:يارب,اشترك في العمل معي.فأنا بدونك لا أقدر أن أعمل شيئايو15:5وإن نجحت في عملك,قل له:لقد كانت يدك معي في العمل.فأشكرك وأطلب دوام معونتك...
وإن أجريت لك أو لأحد أحبائك عملية جراحية ونجحت,قل له:لقد كانت يدك مع الطبيب ومع المستشفي...وهكذا ظهرت محبتك لنا.ونحن نحبك كما أحببتنا.
* وليس فقط تجعل الله أمامك أو معك,بل يكون الله فيك وأنت فيه...
تكون فيه,كما يكون الفص ثابتا في الكرمة,لكيما يستطيع أن يأتي بثمريو15:5,4.
وهو فيك,لأنك هيكل الله,وروح الله ساكن فيك1كو3:16.وكما قال الربإن أحبني أحد يحفظ كلامي,ويحبه أبي.وإليه نأتي,وعنده نصنع منزلايو14:23.
اسأل نفسك:هل مازلت تحتفظ بالله داخلك؟
هل الله في قلبك,وفي ذهنك,وعلي لسانك,وفي حياتك كلها..في بيتك وفي عملك.تحس وجوده,وتسعد بوجوده معك,ويشترك معك في كل شيء؟أم أنت قد أبتعدت عنه,وأحزنت روح الله القدوس,أو قد انفصلت عن الله بأنواع وطرق شتي؟!
حينما تكون امرأة حبلي ,وتشعر بأن داخلها جنينا حيا يتحرك,يمتص حياته من دمها ويتغذي ,فإنها تشعر بشعور خاص,وبكل حب تقولأتغذي لكي أغذيه...وأنت في داخلك جنين روحي,ولد فيك من الروح القدس حينما عرفت الله...فهل تتغذي لكي تغذية؟وغذاؤه هو الحب الإلهي,وبه يحيا ويتحرك...كما يقول المرتل للرب في المزمور باسمك أرفع يدي,فتشبع نفسي كما من شحم ودسممز63:5,4.
إن كنا نتغذي بمحبة الله,سننمو روحيا..
وحينما نتغذي بمحبته ,نقول أيضا لغيرناذوقوا وانظروا ما أطيب الربمز34:8.كذلك حينما نتغذي بكل كلمة تخرج من فم اللهمت4:4وتكون لنا حياة فيه بتناولنا من سر الأفخارستيا..ونشعر بحياته فينا,فنقول مع القديس بولس الرسول:
لي الحياة هي المسيحفي1:21فأحيا لا أنا ,بل المسيح يحيا فيغل2:20.
أتراك تشعر بحياة المسيح فيك,وبنصرته فيك وبمجده في حياتك؟وهل تشعر بشركة الروح القدس2كو13:14في كل عمل تعمله؟هل أنت لاتدخل مكانا,أو لاتعمل عملا,إلا إذا كان مجد اسم الله.
وهل أنت تحمل اسم الله وعمله في كل مكان تحل فيه؟
حينما دخل داود إلي ميدان الجيش وقت تهديدات جليات,أدخل اسم الله معه.فقالالحرب لله وهو يدفعكم ليدنا1صم17:47.وقال لجليات الجبار:أنت تأتي إلي بسيف ورمح.وأنا آتي إليك باسم رب الجنود...في هذا اليوم يحبسك الرب في يدي..1صم17:46,45.وهكذا كان اسم الرب علي فم داود.وكانت قوة الرب في ذراع داود.وكان اسم الرب سبب اطمئنان ونصر وفرح لكل الجيش.
يعجبني أن القديس أغناطيوس الأنطاكي,كان لقبهالثيئوفورسأي حامل الله.فإن كنت تحب الله,فلابد أنك ستحمل اسم الله معك إلي كل شخص يقابلك,وإلي كل مكان تذهب إليه حينما تحمل اسم الله,يعمل الله معك,فينجح عملك,ويفرح قلبك بهذا النجاح,وتحب الله الذي أنجح طريقك.كما قيل عن يوسف الصديق إنالرب معه وأن كل ما كان يصنعه,كان الرب ينجحه بيدهتك39:3.إن الله يمكنه أن يعمل كل شيء وحده,فكل شيء به كانيو1.ولكنه يحب أن يعمل بنا,كأدوات في يديه.لكي نفرح بعمل الرب فينا,ونحبه لأنه قد اختارنا لعمله فهل أنت تعمل عمل الرب.وهل تقول له.في كل مكان أذهب إليه,سأوجد لك يارب موضعا تسند فيه رأسكلو9:58وهكذا يكون الحب متبادلا بينك وبين الله:هو يعمل فيك,وأنت تعمل لأجله هو من فرط حبه لك,يرسلك لتعمل في كرمة وأنت في حبك له تقول ينبغي أن ذاك يزيد,وإني أنا أنقصيو3:3ولكن الله لايريدك أبدا أن تنقص,بل بمحبته يجعلك منارة تنير لكل من في البيتمت5:15ويقول لكأباركك وتكون بركةتك12:2.أما أنت ففي محبتك لله تقول مع المرتل في المزمورليس لنا يارب ليس لنا,لكن لاسمك القدوس أعط مجدامز105:1.الذي يحب الله,يختفي ويظهر الله...كما كان يفعل يوحنا المعمدان في كل كرازته لذلك أنكر ذاتك تصل إلي محبة الله.لأنك إن كنت تركز علي محبة ذاتك,فسوف تنشغل بها وليس بالله.أما إذا أنكرت ذاتك,فسوف يكون الله هو شغلك الشاغل,وهو الذي يملأ القلب والفكر,فتصل إلي محبته.
بقيت في مقالنا نقطة أخري توصل إلي محبة الله وهي:حاول أن كل شيء يذكرك به..ولكنك تلاحظ معي أن الصفحة ما عادت تتسع,فلنؤجلها إلي العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا.