كيف نحب الله4
بقلم قداسة البابا شنودة
تأمل في صفات الله الجميلة
وفي علاقته بقديسيه,وعلاقة قديسيه به
أحيانا تحب إنسانا لأن صفة معينة فيه تجذبك إليه.كأن يكون إنسانا شهما,أو خفيف الظل مرحا,أو يكون إنسانا خدوما,أو قوي الشخصية,أو ذكيا...إنها صفة واحدة تجذبك...
فكم بالأولي الله الذي تجتمع فيه كل الصفات الجميلة,وعلي درجة غير محدودة من الكمال..!!
لاشك إنك كلما تأملت صفة من صفات الله الفائقة الوصف,ستجد نفسك تحبه...
ولست أقصد صفات الله التي يتميز بها وحده,ولايشترك فيها معه أي كائن آخر...مثل أنه أزلي ,وخالق,وواجب الوجود,وحاضر في كل مكان,وفوق مستوي الزمن,وغير محدود,وغير مدرك,وعارف بالخفيات,وفاحص القلوب والأفكار...وما إلي ذلك من الصفات التي يختص بها جوهر اللاهوت...
إنما أقصد حتي الصفات التي يتصف بها بعض البشر أيضا ولكنها عند الله كاملة وغير محدودة...
مثل جمال الله,وقوته,وحكمته,ومحبته ورحمته وطول أناته...فقد يتصف بعض البشر بالجمال والقوة والحكمة والمحبة والرحمة وطول الأناة.ولكن هذه الصفات عند الله مطلقة,وفوق مستوي ما ندركه..
ولهذا فإن الكنيسة في صلواتها تعلمنا التأمل في صفات الله...
تجد هذا كثيرا في صلوات القداس الإلهي,وبخاصة القداس الغريغوري مثلأيها الكائن الذي كان الدائم إلي الأبد...غير المرئي,غير المحوي,غير المبتدئ,الأبدي...الذي لايحد..الذي يسبحك غير المرئيين,والذي يسجد لك الظاهرون ألوف ألوف وقوف قدامك,وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة.
التأمل في عظمة الله,يجعلك تمجده.وحينما تتأمل كيف أنه علي الرغم من كل مجده,ينظر إليك ويوليك اهتماما خاصا...حينئذ تحبه.
ونري التأمل في صفات الله,في المزامير والأجبية.
كان يقول المرنم في المزمورالرب رحيم رؤوف,طويل الروح وكثير الرحمةالرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومينمز103:6,8وما أكثر التأملات في صفات الله وأعماله,التي غني بها داود في مزاميره,وأخذناها نحن عنه في التسبحة...نسبح الرب بها في كل صباح,فنزداد حبا له.
وفي الأجبية نقول في ختام كل ساعة من ساعات الصلوات السبع...يا من في كل وقت وفي كل ساعة,في السماء وعلي الأرض مسجود له وممجد. المسيح الهنا الصالح,الطويل الروح,الكثير الرحمة,الجزيل التحنن.الذي يحب الصديقين,ويرحم الخطاة الذين أولهم أنا.الذي لايشاء موت الخاطيء مثلما أن يرجع ويحيا....
ونجد نفس التأمل في صفات الله عنصرا بارزا في صلوات الآباء والأنبياء التي وردت في الكتاب المقدس,ولنترك هذا الأمر لقراءتك الخاصة...
أما أنت فخذ أية صفة من صفات الله-بالتتابع-واجعلها مجالا لتأملك...
خذ مغفرة الله مثلا,وستره للخطايا...كيف أنه علي الرغم من العقوبة التي أراد أن يوقعها بأهل نينوي,ما أن صاموا وتابعوا حتي غفر لهم...بل قال ليونانأفلا أشفق أنا علي نينوي المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثني عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهميون 4:11,وعجيب أنه في محبته ومغفرته دعاها مدينة عظيمة,مع أن أهلها لايعرفون يمينهم من شمالهم وقد سبق فأمر النبي أن ينادي عليها بالهلاكيون 3:4.
إنك ستحب الله,أن تأملت قلبه المحب الذي يغفر.
الذي في لحظات بسيطة,غفر للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعهالو7:47.كما غفر أيضا للمرأة التي ضبطوها في ذات الفعل يو8:11وقال لهاولا أنا أيضا أدينكوكذلك غفر للمرأة السامرية التي كان لها خمسة أزواجيو4:18ومدحها وقال لهاحسنا قلت...هذا قلت بالصدق...وغفر لذكا العشار,بل دخل بيته ولم يبال بتذمر الجمع علي أنه دخل ليبيت عند رجل خاطيء.بل دافع عنه وقالاليوم حصل خلاص لهذا البيت,إذ هو أيضا ابن لإبراهيملو 19:5-10.
ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن مغفرة الله في التاريخ مغفرته مثلا لأوغسطينوس وموسي الأسود,ومريم القبطية,وبيلاجية,ومرثا,ويوستينوس الساحر,وأريانوس وإلي أنصنا.والجندي الذي طعنه بالحربة.
ولم يكتف الرب بمغفرته لكل هؤلاء وغيرهم,بل رفع من ذكرهم جدا وجعل أوغسطينوس أسقفا جليلا وعالما في اللاهوت والتفسير ورجل تأملات.وجعل موسي الأسود قديسا عظيما,وكاهنا وأبا للرهبان.وكذلك جعل مريم القبطية سائحة طلب بركتها القس سوزيما وجعل يوستينوس الساحر أسقفا عظيما وجعل أريانوس مضطهد المسيحية شهيدا.
ألا نحبه إذن,ونحب أسلوبه في المغفرة؟!
إذ يقول عن الخطايا التي غفرها:أمحوها لا أعود أذكرها,لا تحسب عليهم..
انظر ما أسرع مغفرته للص اليمين التائب..وكيف قال لهاليوم تكون معي في الفردوسلو23:43ومغفرته لشاول الطرسوسي,ودعوته له أن يكون أناء مختارا ورسولا للأممأع9.وكذلك قوله في مغفرة الخطايا ,أصفح عن أثمهم,ولا أعود أذكر خطيتهم بعدأر31:.34ويقول عن الإنسان الخاطيء التائبكل معاصيه التي فعلها لاتذكر عليهحز18:22.ويتغني المرنم بهذا في المزمور ويقولطوبي للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم.طوبي للرجل الذي لايحسب له الرب خطيةمز32:او2رو4:8.7.
هنا نري الرب يستر علي الخطية,ويغفرها ولا يحسبها علي الإنسان,ولا يعود يذكرها بعد...
أي حنان هذا الذي يذيب قلب الإنسان التائب وكلما يغفر له الرب أكثر,يحب الرب بأكثرلو7:47فهل هناك أكثر من هذا في معاملة الرب للخاطيء وعدم حسبانه أو تذكره لخطاياه؟نعم هناك ما يقوله الكتابتوبوا وارجعوا فتمحي خطاياكمأع3:19.وهذا ما يقوله المرتل في مزمور التوبةومثل كثرة رأفاتك تمحو إثميمز51:1.
نعم.من محبة الله العظيمة أنه يمحو خطية التائب.
يمحوها,كأن لم تكن,كأن لم تحدث.وهكذا يحيا في بهجة الخلاص,الخلاص من الخطية ومن عقوبتها...ويشعر التائب بهذا فيفرح بالرب جدا,لأنه محا عنه هذا العار,بل أكثر من هذا أيضا منحه أن يقولتغسلني فأبيض أكثر من الثلجمز51...حقا ما أعجب هذا الأمر الذي يجعل التائب يذوب حبا لله الذي عامله هذه المعاملة...
حقا,إنه يستحق كل الحب,هذا الإله الحنون الغفور.
الذي نسييء إليه ,فيمحوا إساءاتنا,ولا يعود يذكرها بل يغسلها فتبيض أكثر من الثلج هذا الذي في رأفاتهكبعد المشرق عن المغرب,أبعد عنا معاصينامز103:12بل حملها بدلا عنا,ودفع ثمنها أش53:6...إنه إله طيب يستحق كل حب لم يصنع معنا حسب خطايانا,ولم يجازنا حسب آثامنامز103:10إنه لايحسب علينا الماضي الأثيم كله,من أجل حاضر مستقيم...
وعجيب في هذا الأمر أيضا دفاع الرب عن أولاده
* لقد أخطأ أبونا أبراهيم .ومن خوفه قال عن سارة إنها أخته,وأخفي أنها زوجته,فأخذها أبيمالك ملك جرار.وإذا بالرب يتدخل ليدافع عن إبراهيم وسارة,ويقول لأبيمالك في حلمها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها,لأنها متزوجة ببعل...والآن,رد امرأة الرجل.فإنه نبي,فيصلي لأجلك فتحياتك20:2-7.
يخطيء إبراهيم,والرب يدافع عنه,ويطلب من الملك أن يرد المرأة,ويصلي إبراهيم عنه لكي يحيا..!ولعلك تسأل الرب في هذا فيقول:إبراهيم هذا حبيبي.لقد أخطأ عن ضعف وليس عن انحراف أنا واثق من نقاوة قلبه لذلك أدافع عنه.
* ويخطيء داود ويعاقبه الرب ولكن بنفس الحب تظل ثقته فيه في حياته.وحتي بعد موته نراه يقول لسليمان عندما عاقبه وقرر تمزيق مملكته:إلا أني لا أفعل ذلك في أيامك,من أجل دواد أبيك...علي أني لا أمزق منك المملكة كلها,بل أعطي سبطا واحدا لابنك,لأجل داود عبدي1مل11:13,12وهكذا حفظ كرامة لداود بعد موته.
* وبنفس الأسلوب دافع عن أيوب...علي الرغم من كلام أيوب السابق الذي وبخه عليه اليهو,والذي وبخه فيه الرب قائلا لهمن هذا الذي يظلم القضاء بكلام بلا معرفة؟!أي38:2,1.إلا إنه حينما اتضع أيوب في التراب والرمادأي42:6نري الله يدافع عنه وينذر أصحاب أيوب الثلاثة الذين جرحوا مشاعره,ويقول لهملم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب..اذهبوا إلي عبدي أيوب,وأصعدوا محرقة لأجل أنفسكم ..وعبدي أيوب يصلي عنكم,لأني أرفع وجهه.لئلا أصنع معكم حسب حماقتكمأي 42:8,7
* وكما دافع الرب عن إبراهيم وداود وأيوب دافع أيضا عن موسي لما تزوج بأمرأة كوشية..
لقد تقول عليه هرون ومريم .فإذا بالرب ينتهرهما ويظهر لهما كرامة موسي عنه,فيقول لهماإن كان فيكم نبي,فبالرؤيا أستعلن له,في الحلم أكلمه.أما موسي فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي.فما إلي فم وعيانا أتكلم معه...فلماذا لا تخشيان أن تتكلما علي عبدي موسيعد12:1-8.وضرب الرب مريم بالبرص عقابا لها فأخرجوها خارج المحلة..
ولم يدافع الرب فقط عن هؤلاء الأنبياء,بل أيضا عن المرأة التي سكبت الطيب علي رأسه...فلما اغتاظ التلاميذ قائلينلماذا هذا الإتلاف؟! قال لهم الرب لماذا تزعجون المرأة,فأنها قد عملت بي عملا حسنا...لأجل تكفيني.الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في العالم كله,يخبر أيضا بما فعلته هذه تذكارا لهامت26:7-13.
كان الرب يدافع عن الذين ليس لهم أحد يدافع عنهم...
لقد دافع عن ذكا العشارلو19وعن كثير من العشارين والخطاة ودافع عن السامريين,وذكر مثل السامري الصالح لو10وأظهر في مثل آخر إن العشار أفضل من الفريسيلو18:14.ودافع الرب عن الأطفال في يوم أحد الشعانين.وقال لو سكت هؤلاء فالحجارة تنطق...ولا ننسي أيضا إنه دافع عن صالبيهلو 23:34...وبعد,أتراني أستطيع في مقال كهذا اذكر صفات الله الجميلة والتأمل فيها؟!
إنما ذكرنا ما ذكرناه كمجرد مثال...
وأنت أيها القاريء العزيز تناول هذا المنهج وتأمل علي التتابع صفات الله الجميلة,وخذها غذاء لروحك,وسببا يوصلك إلي محبة الله..وليرشد الله تأملاتك فيه