كيف نحب الله؟ 2
بقلم قداسة البابا شنودة
تذكر إحسانات الله إليك وإلي غيرك وحول فرحك بها إلي مشاعر حب
من الأشياء التي تملأ قلبك بمحبة الله,أن تذكر باستمرار إحساناته إليك.وهذا أمر طبيعي جدا.فإنك أن تذكرت جمايل إنسان عليك,أو إنقاذه لك أو وقوفه إلي جوارك في ضيقاتك,لابد ستحبه .فكم بالأولي الله,الذي إحساناته لاتعد؟!
هذا الأمر عرفه واختبره داود النبي فقال:باركي يا نفسي الرب,وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس.باركي يا نفسي الرب ولاتنسي كل إحساناته.
ويدخل في تفاصيل هذه الإحسانات فيقول لنفسه:الذي يغفر جميع ذنوبك,الذي يشفي كل أمراضك,الذي يفدي من الحفرة حياتك,والذي يكللك بالرحمة والرأفة,الذي يشبع بالخير عمرك,فيتجدد مثل النسر شبابكمز103:1-5..ويستمر في تذكر إحسانات الله فيقول:لم يصنع معنا حسب خطايانا,ولم يجازنا حسب آثامنا...كبعد المشرق عن المغرب,أبعد عنا معاصينا,كما يتراءف الأب علي البنين,يتراءف الرب علي خائفيه..
لذلك اجلس إلي نفسك,وتذكر إحسانات الله إليك,منذ ولادتك وإلي الآن...
اذكر ستره عليك من خطايا لو عرفها الناس,ما كانوا يقبلون أن يسلموا عليك,ولا يدخلوا بيتك,ولايدخلوك إلي بيوتهم,ولا يتعاملوا معك علي الإطلاق...ولكن الله يعرف خطاياك كلها,التي لايعرفها أحد غيره...ومع ذلك يستر,بل ويغفر...ويجعل الناس يحبونك,علي الرغم من كل تلك الخطايا التي سترها,وربما يطلبون صلواتك,ويمدحونك..!!والله نفسه يدعوك ابنا له,ويجعلك تقول له في الصلاةأبانا الذي في السموات.حقا إن الله يستحق كل الحب,لستره ومغفرته.
تذكر إلي جوار ستره,إنقاذه لك من مشاكل عديدة:
إنقاذه لك من أمراض أصبت بها ومن أمراض أبعدها عنك وكان يمكن أن تصاب بها...إنقاذه لك من مشاكل ومن ضيقات,ومن أناس أشرار ومؤامرات دبروها ضدك...اذكر كل هذه الأمور في مطانيات شكر أمام الله.وقل له:أنا يارب لا أستحق كل ما قدمته لي من معونة وحب.ليتني أحبك كما أحببتني.
اذكر أيضا عطايا الله لك ومواهبه...
إن كان لك عقل أو ذكاء أو حكمة,أو جمال وجه أو جمال صوت,أو مواهب فنية,أو حتي جمال خط..مع مواهب أخري روحية.أو موهبة في الخدمة وما أعطاك أياه من نعمة من أعين الناس,ومحبة في قلوب الآخرين...وقل له:كم أحبك يارب من أجل كل تلك النعم,أو كم ينبغي أن أحبك.
بل أيضا تحبه من أجل إحساناته إلي أحبائك...
سواء من أقربائك بالجسد,أو أصدقائك أو زملائك,بل من أجل إحسانات الله إلي الكنيسة وإلي وطننا وبلادنا...من العجيب أننا في الكوارث,نذكر من حلت بهم المصائب فنحزن ونتضايق .وفي نفس الوقت لانذكر أحباءنا ومعارفنا الذين أنقذهم الرب وخلصهم,بوسائل تكاد تكون ضمن المعجزات!
يكفي أننا لانزال أحياء حتي هذه الساعة...
من محبة الله لنا,أنه أبقانا حتي الآن..ألا نشكره ونحبه لأجل هذا الأمر...كم اجتاحت العالم أوبئة وأمراض,ونحن نجونا ولانزال أحياء...كم كانت البلاد مهددة بجفاف,والرب أرسل المطر ونجي ولايزال الله يعطينا فرصة لنعمل عملا من أجل أبديتنا.
يجب أن تحب الله,لأنه لم يأخذك من العالم,وأنت في حالة غفلة,أو وأنت متلبس بخطية!!
إذن لكنت قد هلكت في هذا العالم,وفي العالم الآتي,وأتاك الموت بدون توبة,كما حدث لحنانيا وسفيراأع5ولهيرودس الملكأع12ولآخرين ماتوا في خطاياهم,دون أن يتوبوا..!أما أنت فكان الله يراك وأنت تخطيء,ويصبر عليك ويطيل باله ,لعل طول أناته تقودك إلي التوبة رو2:4.
قل له:أنا أحبك يا الله,من أجل طول أناتك علي,وصبرك وإحساناتك ,علي الرغم من كثرة إساءاتي إليك ...حقا أنك تستحق كل حب.لأن كثيرين من البشر الذين هم مثلي تراب ورماد,لم يحتملوا مني ولو إساءة واحدة بسيطة.أما أنت فحنون ومحب..
إذا أردت أن يمتليء قلبك بمحبة الله,لاتنسب إحساناته إلي غيره.لاتنسبها إلي الناس أو إلي نفسك...
كثيرا ما أنجح الله عملك,فكنت تنسب النجاح إلي ذكائك وقدراتك ,وتنسي الله الذي ساعدك وأعانك وتفقد سببا يقربك إلي محبته...وكثيرا ما كان الله يرسل إليك إنسانا ينقذك,فتنسب كل الفضل إلي ذلك الإنسان,وتنسي الله الذي أرسله إليك..!تمرض وتحتاج إلي عملية جراحية خطيرة,ويجريها لك أحد الأطباء المشهورين,وتنجح العملية وتشفي وتعزو نجاتك إلي نبوغ الطبيب وعقله الجبار,وتنسي الله شافيك,وتنسي أن الله هو الذي وهب الطبيب ماله من نبوغ وعقل جبار...وفي نسيانك لله وعمله,تفقد الشعور بإحسانه إليك,وتفقد سببا تحبه به..!
والعجيب أننا فيما ننسب إلي غير الله,الخير الذي نناله,فأننا ننسب كل مشاكلنا إلي الله!!
كيف نصل إلي محبة الله,إن كانت كل مصيبة تصيبنا ننسبها إلي الله ونعاتب الله عليها,ونهدده بالانفصال عنه بسببها ..ونظل نشكو لكل أحد من قسوةالله علينا,ومنإهمالهلنا!!ونقول:لماذا يارب تفعل معنا كل هذا؟!أين رحمتك التي نسمع عنها؟!
وقد تكون المشكلة بسبب الناس الأشرار,ولكننا ننسبها إلي عدم محبة الله؟!وقد تكون بسبب إهمالنا نحن أو أخطائنا,ولكننا ننسبها أيضا إلي الله!!وبهذا كله نبعد عن محبته!
أما أنت,فكل بركة تأتيك,انسبها إلي الله,لا إلي الناس أو نفسك.وكل مشكلة تصيبك أرجعها إلي أسبابها الطبيعية الحقيقية..
لأن الله هو مصدر كل خير,ولا يأتي شر من جهة الله أطلاقا...بهذا تصل إلي محبة الله....والعجيب أن الله هو هو...فعلي الرغم من إننا ننسب أحساناته إلي غيره,لايزال يحسن إلينا وكأننا لم ننكر جميله,ولم ننس إحساناته...!!
أليس هذا وحده سببا يدعونا إلي محبته؟..
هناك حقيقة ليس من صالحنا أن ننساها,وهي:
كل من ينسي إحسانات الله,يتقسي قلبه كناكر للجميل...
مثل فرعون الذي كان يتقسي قلبه,إذ ينسي كيف أن الله استجاب له,ورفع عنه ضربات وضربات...ومثل دليلة التي تقسي قلبها علي شمشون,فخانته إذ نسيت كل محبته لها وسلمته إلي أعدائهقض 16.ومثل سليمان الذي نسي كل إحسانات الله إليه,وكل ما وهبه الله من ملك وجلال وحكمة, وأحب نساءه أكثر من الله,ولم يكن قلبه كاملا أمام الله1مل11.
أما المرأة الخاطئة,التائبة,فقد أحبت الله كثيرا,إذ تذكرت أنه غفر لها الكثير...
والذي يغفر له قليل,يحب قليلالو7:47ويقصد الرب بهذه العبارة أن الذي يشعر أن الذي غفر له قليل,أو يظن أن الذي غفر له هو قليل يحب قليلا...أما أنت فلا تكن هذا,وإنما تذكر كل خطاياك,واذكر أن الله من فرط إحساناته إليك قد غفر لك الكثير.فبهذا ستحب كثيرا واذكر أن عطاياه لك كثيرة جدا,فتحب كثيرا...
لاشك أن الله قد عمل لأجلك الكثير,ولكنك أنت تنسي!!لذلك نبه داود نفسه في علاقتها مع الله قائلا:
ولاتنسي كل إحساناتهمز103:2,إنك تنسي احسانات الله,لأنك مشغول بإحسانات أخري تطلبها,غير واضع في ذكراتك كل الإحسانات السابقة حياتك كلها طلب لاشكر
إن حياة الشكر ترتبط بحياة الحب.فاقرا عنها وعش فيها تجد قلبك قد امتلأ بمحبة الله...وثق أن حياتك كلها لاتكفي لشكر الله علي رعايته لك وعنايته بك,طول عمرك منذ ولادتك.
بل إن إحسانات الله سبقت ولادتك أيضا...
كان من الممكن أنك لاتولد,ولا تأتي إلي عالم الوجود,لأي سبب يتعلق بأبيك أو بأمك.وكان ممكنا أن ترث وأنت جنين بعض الأمراض أو بعض النقائص ولكن الله حفظك منها جميعا ,ومنحك أن تولد إنسانا سويا جسدا وعقلا ونفسا..أيجوز لك أن تنسي كل هذا؟!إنك لو ذكرت جميل الله عليك في تلك الفترة,لازددت حبا له.
اذكر حفظ الله لك أيضا أثناء طفولتك...
كما يقول المزمورحافظ الأطفال هو الرب.إن أي إهمال للطفل في غذائه أو علاجه أو حراسته يمكن أن يضيعه أو يصيبه بسوء...كذلك الإهمال في تربيته وتعليمه ,أو غرس أشياء ضارة في عقله الباطن..
اشكر الله لأنه جعل تلك الفترة التأسيسية تمر عليك بسلام...وقل له:أحبك يارب من كل قلبي لأنك حفظت طفولتي,وأتيت بي إلي هذه الساعة,وأعطيتني أن أقرأ عن محبتك..
علي إني أريد أن أضع هنا ملاحظة مهمة وهي:
كثيرون يقابلون إحسانات الله إليهم بالفرح والبهجة ويكتفون بهذا,دون أن يجعلوها سببا لمحبة الله!
هم يفرحون بالخير الذي يأتيهم من عند الله:يفرحون باستجابة الله لصلواتهم,ويفرحون بعطاياه ونعمه ومواهبه ويفرحون بستره وإنقاذه,ويتهللون وقد يقف الأمر عند حلول الفرح والتهليل,وربما يتعداه إلي عبارة شكر قصيرة,أو صلاة شكر وعرفان بالجميل وكفي...
أما الروحيون فيحولون عرفانهم بجميل الله حب.يذكرونه ويخلطونه بمشاعرهم,ويحولونه إلي حب.
إحسانات الله لهم ,دليل علي محبته لهم.إذن فهم يبادلونه حبا بحب...
ليس الأمر مجرد فرح وشكر.فهذه مثل خاصة بك.ولكن يجب أن تعمقها في داخلك لتكون علاقة حب بينك وبين الله.وحاول أنك لا تنسي أن تتذكرها مرتبطة بمشاعر الحب,والشعور الدائم بأبوة الله لك ومحبته ورعايته.وأنت كابن محب.تقابل حبه بحب.