الله مع الضعفاء
أما الشخص الجبار العنيف القاسي الشديد ، يكون بعيداً عن رحمة الله . إلهنا هو إله الضعفاء . " اختار الله ضعفاء العالم ، ليخزى بهم الأقوياء " ( 1كو1 : 27 ) . القوي يعتمد على قوته . أما الضعيف فهو الذى يقف الله إلى جواره .
حتى الأقوياء الذين اختارهم الله .
كانوا يقفون أمامه كضعفاء . كل واحد منهم يقول له " ارحمني يا الله لأنى ضعيف " . خذوا مثلاً يرينا أهمية الشعور بالضعيف : إيليا النبى الجبار العنيف ، الذي قال تنزل نار من السماء وتأكل الخمسين ( 2مل1 : 10 ) . إيليا الذي أمسك أنبياء البعل والسواري أربع مائة وخمسين وذبحهم ( 1مل18 : 40 ) . وكأن الله يقول لإيليا : هذه الشدة من الجائز أن تتبعك يا ابني ... فماذا فعل الله : سمح أن إيزابل الملكة تهدد إيليا . فخاف إيليا وذهب إلى البرية . ولاقاه الله هناك . وقال له ما لم هنا يا إيليا ؟ فقال له في خوف : قتلوا أنبياءك بالسيف وبقيت أنا وحدي . وهم يريدون نفسي ليأخذوها ( 1مل19 : 14 ) .. أخيراً أمكن أن تخاف يا إيليا .. !!
وحتى الجبابرة يسمح لهم الله أحياناً أن يخافوا أو يضعفوا ، لأنه يريد القلب المنسحق المتخشع ...
الإنسان الذى يقف مسكيناً أمام الله ، هو الذي يستطيع أن يقف في قوة أمام الناس .. أما الذين يشعرون في أنفسهم أنهم جبابرة : فهؤلاء يبعد عنهم .
هناك آيات عن هذا الموضوع في أشعياء النبى في الإصحاح الثاني . قال :
" إن لرب الجنود يوماً علي كل متعظم وعال ، وعلي كل مرتفع فيوضع . وعلي كل أرز لبنان العالي ، وعلى كل بلوط باشان . وعلى كل الجبال العالية ، وعلى كل التلال المرتفعة . وعلى كل برج عال ، وعلى كل سور منيع ...
فيخفض تشامخ الإنسان ، وتوضع رفعة الناس . ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم " ( أش2 : 12 – 17 ) .
الناس الجبابرة المعتزون بقوتهم ، والمعتزون بسلطاتهم ، والمعتزون بعنفهم .. يري كل منهم أنه يستطيع أن يضرب ، ويستطيع أن يذل غيره ـ ويستطيع أن يعاقب ويسيطر . يا خوف هذا الإنسان من هذه الآية التي تقول " إن لرب الجنود يوماً على كل متعظم وعال ، يخفض تشامخ الإنسان ، وتوضع رفعة الناس ، ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم " .. كلام له عمقه وله موسيقاه .. هذا الشخص العالي المتشامخ ، يجب أن ينسحق أمام الله ، ويقول له : ارحمني يارب فإني ضعيف ... قد تكون برجاً عالياً في وظيفتك . قد تكون أرز لبنان أمام الناس . ولكن ينبغى أن تتضع وتقول ارحمني يارب فإنى ضعيف . لأن الرب قادر أن يحق أرز لبنان ، وقادر أن يقطع بلوط باشان ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم...
الواقع يا أخوتي ، إننا حينما نتتبع معاملات السيد المسيح للناس ، نجده حنوناً جداً ورقيقاً جداً على الضعفاء والمساكين ، ونجده شديداً في معامله العنفاء .
لم يقف المسيح أبداً ضد إنسان مسكين . كان يجمع الضعفاء ويحتضنهم ويشفق عليهم .
المرأة المضبوطة في ذات الفعل ، أنقذها وقال لها " . وأنا أيضاً لا أدينك . اذهبى ولا تخطئي أيضاً ( يو8 : 11 ) . يكفيها ما نالته من الذل والفضيحة . أما العنفاء الذين شهروا بها ، وجروها للحكم ، فإنه كتب لهم أخطاءهم علي الأرض . وقال لهم " من كان منكم بلا خطية ، فليرمها أولاً بحجر " ( يو8 : 7 ) . فبدءوا بخزي ينصرفون الواحد تلو الآخر . فلماذا انصرفوا في خزي ؟ لآن الرب نفذ نفس الآيه " يخفض تشامخ الإنسان ، وتضع رفعة الناس .. " فكأنه يقول لهم " اخفضوا رؤؤسكم بعض الشيء ، وكفى تشامخاً ، فأنتم أيضاً خطاه تحت الحكم .. ! كفي سعياً وراء رجم هذه المرأة أو غيرها .. فكل واحد منكم محتاج أن يقول : ارحمني يارب فإنى ضعيف ...
إن كنت تريد أن يرحمك الله لأنك ضعيف ، ارحم الضعفاء .
تقول له : ارحمني يارب فإنى ضعيف . فيجيبك : أين هو هذا الضعف : هل في هذا الانتفاخ والعظمة ضعف ؟! هل في هذا الجبروت ضعف ؟ .. حينما تكون ضعيفاً ، حينئذ سأرحمك .. هل يستطيع أحد أن يقول : ارحمني يارب أنا الجبار ! ارحمني يارب أنا البار ! كلا ، إن هذا الأسلوب لا ينفع في طلبك الرحمة من الله .
تذلل داود أمام الله . وكأنه يقول :
لست أنا الجبار الذي قتل جليات ، بل أنا الضعيف الذي قتلته الخطية مع بثشبع .
وقتلت النقاوة التي فيه ، وإن كان الله فيما بعد قد أعاد له بهجة خلاصه .
كان السيد المسيح رفيقاً بالخطاة والعشارين ، رفيقاً بتلك المرأة التي بللت قدميه بدموعها ، أكثر من الفريسي البار في عيني نفسه ، الذى أدانها في فكره . إن الله لم يوبخها علي خطية واحدة ، بل ذكر لها محبتها وانسحاقها ، وقال لها مغفورة لك خطاياك . أما ذلك الفريسى المتكبر فقد كشف له الرب أن تلك المرأة الخاطئة كانت أفضل منه ( لو7 : 36 – 48 ) . فلا داعي إذن للعجرفة ، وكان أولى به أن يقول كما في المزمور " ارحمنى يارب ف أن يقول كما في المزمور " ارحمنى يارب فإنى ضعيف " . ولأنه لم يكن ضعيفاً وقتذاك ، لذلك وبخه الرب . وقال له : " دخلت بيتك ، وماء لرجلي لم تعط .. بقلة فمي ... بالزيت لم تدهن رأسي " .
لم تقم بشئ من واجبات الضيافة والمحبة ،ن وكل عملك كان أن تدين في قلبك . لذلك ينبغي أن يخفض تشامخ الإنسان ، وتوضع رفعة الناس ، ويسمو الرب وحده " .
وكان السيد المسيح رفيقاً بالعشار المعترف بخطيته الذي يطلب الرحمة لنفسه ،
أكثر من ذلك الفريسى الذي وقف يفتخر بفضائله في صلواته ، فخرج العشار مبرراً دون ذلك الفريسى ( لو18 : 9 – 14 ) .
وكان السيد المسيح أيضاً رفيقاً بالأمميين ، وبالسامرين ، وبالمولود أعمى الذي أخرجوا خارج المجمع ، فقابله وأظهر له ذاته ودعاه إلى الإيمان ( يو9 : 35 – 38 ) . أما العنفاء فإن الرب يتركهم إلى أن يتركوا عنفهم ، ويحاول أن يهديهم . لقد وبخ الكهنة والشيوخ ، وكذلك وبخهم علي شدتهم ، فقال لهم : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون ، لأنكم تغفلون ملكوت السموات قدام الناس . فلا تدخلون أنتم ، ولا تجعلون الداخلين يدخلون " " أنكم تركتم أثقل الناموس : الحق والرحمة والإيمان " ( مت23 : 13 ، 23 ) . ووبخهم أيضاً علي قسوتهم لأنهم قتلوا الأنبياء " ( مت23 : 31 ) . وبخهم كذلك " لأنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عثرة الحمل ويضعونها علي أكتاف الناس ، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم " ( مت23 : 4 ) .
ولكن أليست هذه الوصايا الثقيلة ، هي وصاياك أنت يارب ؟
يقول : كلا ، إن وصاياي ليست ثقيلة ( 1يو5 : 3 ) أنا " نيري هين وحملي خفيف " 0 مت11 : 30 ) . أنا لا أضع أحمالاً ثقيلة علي الناس . إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقولها لكم . ولكن لا تستطيعون الآن أن تحتملوا " ( يو16 : 12 ) . إذن لا داعي لها حالياً .
وهكذا كان رسل الرب بنفس منهجه . حينما اجتمعوا معاً في مجمعهم بأورشليم من أجل قبول الأمم ، قالوا : " لا نثقل علي الراجعين إلى الله من الأمم . بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم " ( أع15 : 19 ، 20 ، 28 ) .وبولس الرسول الطيب الذي لا يريد أيضاً أن يثقل علي الناس ، قال " لم أستطيع أن أكلمكم كروحين ، بل كجسدين ، كأطفال في المسيح " سبقتكم لبناً لا طعاماً ، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون " ( 1كو3 : 1 ، 2 ) .
لقد اختار الرب يعقوب الضعيف أكثر من عيسو العنيف . واختار يوسف الضعيف الذي تآمر أخوته عليه ، وباعوا كعبد .
أختار يعقوب الذي كان يصرخ له ويقول " صغير أنا عن جميع ألطافك وعن جميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك .. نجني من يد أخي ، من عيسو ، لأنى خائف منه أن يأتى ، ويضربني الأم مع البنين " ( تك32 : 10 ، 11 ) . وهكذا قيل إن الله أحب يعقوب وأبغض عيسو ( رو9 : 13 ) . وقيل لأمه قبل أن يولدا أن الكبير يستعبد للصغير ( تك25 : 23 ) ( رو9 : 12 ) .
وكان الرب مع يوسف الصغير ، الذي ألقاه أخوته فى البئر ثم باعوه للإسماعيليين ( تك37 : 20 ، 29 ) . يوسف الضعيف أمام مؤامرة إمراة فوطيفار ، الذي طرح في السجن ظلماً ( تك39 : 29 ، 20 ) ... يوسف هذا رفعه الرب ، وجعله أباً لفرعون ، وسيداً لكل بيته
، ومتسلطاً علي كل أرض مصر " ( تك45 : 8 ) . وهكذا نصره الله علي اخوته الضعفاء الذين باعوه ، وجعلهم يأتون ويسجدون أمامه ( تك43 : 26 ، 28 ) .
ووقف الله مع موسى الضعيف .
موسى الثقيل الفم واللسان ، وقف الله معه ضد فرعون الجبار ونصره عليه . موسى هذا الذي قال لله " أنا لست صاحب كلام منذ أمس ولا قبلاً من أمس " ( خر4 : 10 ) " من أنا حتى أذهب إلى فرعون ؟ " وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر ؟!
( خر3 : 11 ) ، كيف يسمعني فرعون ، وأنا أغلف الشفتين ؟! " ( خر6 : 12 ) . موسى هذا الحليم الوديع ، الذي قال عنه الكتاب " وكان الرجل موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين علي وجه الأرض " ( عد12 : 3 ) .
موسى هذا ، قال له الله " جعلتك إلهاً لفرعون " ( خر7 : 1 ) . أي سيداً له . وقال له عن أخيه هارون " تكلمه وتضع الكلمات في فمه .. هو يكون لك فماً ، وأنت تكون له إلهاً " ( خر4 : 15 ، 16 ) . أي مصدر الوحي الذي يوحي إليه بما يقوله من كلام . بل كان الله مع موسى ضد أخويه هارون ومريم ، لما تقولا عليه بعد زواجه من المرأة الكوشية ، فدافع الرب عنه . وقال إنه " أمين علي كل بيتي . فماً إلى فم ، وعيناً أتكلم معه " ( عد12 : 7 ) . وضرب مريم بالبرص لأنها تقولت عليه ...
من من الناس يستطيع أن يضع في كفتى ميزان : موسى الضعيف وفرعون العنيف ؟!
ويقول من من هذين الإنثين يغلب ؟!
فرعون في الخطوات الأولي استخدم سلطته وعنفه حسبما شاء ، وأذل الشعب ، حتى استاءوا من تدخل موسى لأجلهم . وفي كبرياء قال فرعون " من هو الرب حتى أسمع لقوله وأطلق إسرائيل ؟! لا أعرف الرب ، وإسرائيل لا أطلقه " ( خر5 : 2 ) . أما عن النهاية : موسى الهادئ الضعيف المسكين ، انتصر على جبروت فرعون .
وهكذا الثلاثة فتية المساكين ، الذين حملوهم بكل عنف وألقوهم موثقين في النار .
هؤلاء الصغار كان الرب معهم في النار ، وشعرة من رؤؤسهم لم تحترق ، ورائحة النار لم تأت عليهم . بينما لهيب النار المتقدة أحرق العنفاء الذين ألقوهم في النار ... ولما أخرجوهم قال نبوخذ نصر " تبارك إله شدرخ وميشخ وعبدنغو ، الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده " .. ورفع مركزهم في ولاية بابل ( دا3 : 28 ، 30 ) .
وبالمثل أنقذ الرب دانيال الضعيف الذي ألقوه المتآمرون القساة في جب الأسود . أما الذين اشتكوا عليه ظلماً ، فقد أمر الملك داريوس أن " يطرحوهم فيجب الأسود هم وأولادهم ونساءهم . ولم يصلوا إلى أسفل الجب ، حتى بطشت بهم الأسود ، وسحقت كل عظامهم ( دا6 : 20 – 24 ) .
كان الله أيضاً مع داود الفتي الضعيف ، حينما وقف جليات الرجل الجبار .
هذا الجبار لما رأى داود ، احتقره وهزأ به ، وحسبه طفلاً . أما داود فكان يضع الحصاه في المقلاع ، وكل نقطة من دمه تصرخ إلى الله بعبارة : ارحمني يارب فإني ضعيف . وكان الله مع ضعفه ، ونصره علي جليات . لأن الحرب للرب كما قال داود ، وكما قال لجليات " أنا آتيك باسم رب الجنود . " " اليوم يحسبك الرب في يدي " ( 1صم17 : 45 – 47 ) .
القديس الأنبا أنطونيوس الكبير يستخدم كلمة ( ضعيف ) .
حينما كانت تهجم عليه الشياطين في البرية ، كان يقول لهم : أيها الأقوياء ، ماذا تريدون مني أنا الضعيف ؟ .. أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم " . فلما كانوا يسعون هذه الصلوات المملوءة إتضاعاً ، كانوا ينقشعون مثل الدخان . أما في أعماقه فكانت عبارة " أرحمني يارب فإني ضعيف " .
أنا يارب ضعيف أمامك .
وضعيف أمام الشيطان ، الذي هو " مثل أسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو " ( 1بط5 : 8 ) . إنما قوتي بك . " قوتي وتسبحتي هو الرب ، وقد صار لي خلاصاً " ( مز118 : 14 ) . وأنا ضعيف أمام نفسى . لذلك أطلب دائماً معونتك . وأنا ضعيف أمام الناس ، أمام الأعزاء الذين طلبوا نفسى ، ولم يسبقوا أن يجعلوا أمامهم " ( مز54 : 2 ) . لذلك ارحمني يارب فإني ضعيف .
إذن فليحترس كل واحد منكم يا أخوتي ، إن وجد نفسه في مركز قوة أو في حالة عنف . أو في موقف اعتداد بالذات كمن يقول : أنا سأعمل ، أنا سوف أودب . سوف ألقي عليهم درساً .
احترس يا أخي ، إذا سلطان إلى يدك . احترس لنفسك ، واحترس من نفسك . ارفض استخدام القوة ، واستخدام السلطة ، واستخدام العنف . بل في صلاتك قل :
ارحمني يارب فإني ضعيف . لا تدفع أحداً إلى يدي ، ولا تدفعني ليد أحد . قبل أن أقول : لا تعط لإنسان قوة يدوس بها علي ، أقول لا تعطني يارب قوة أدوس بها علي غيري . أعطنى باستمرار أن أكون مظلوماً . ومصلوباً لا صالباً ، ومغلوباً . لأنك حينئذ ستكون معي . لا تعطني أن أكون منتصراً علي الناس ، بل أكون منتصراً علي نفسى ، أمامك . فليخف كل واحد من القوة والعظمة والجبروت ، فأن لرب الجنود يوماً علي كل متعظم وعال ، وعلي كل مرتفع فيوضع ...
أمامنا مثال هو سنحاريب ملك أشور .
لقد اعتز جداً ، وأرسل يهدد حزقيا ملك يهوذا بكل كبرياء . فماذا يفعل حزقيا أمام جيش عظيم جداً ، وأرسل تهديد سنحاريب . شعر حزقيا بضعفه ، فمزق ثيابه ، وتغطى بمسح ، ودخل بيت الرب ... وصلي إليه قائلاً : افتح يارب عينيك وانظر ، واسمع كلام سنحاريب .. والآن يارب خلصنا من يده ( 2مل19 : 1 – 19 ) . وأرسل حزقيا رسلاً إلى أشعياء نبي الرب . وشعور حزقيا يقول : ارحمني يارب فإني ضعيف ... فكانت كلمة أشعياء النبي إلى سنحاريب : من عيرت ؟ وعلي من جدفت وعليت صوتاً ؟! وقد رفعت إلى العلاء عينيك علي قدوس إسرائيل !! " ( 2مل19 : 22 ) ... " وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشور مائة ألف وخمسة وثمانين ألفاً . ولما بكروا صباحاً إذا هم جثث هامده ( 2مل19 : 35 ) . وبعد عودة سنحاريب إلى نينوي ، ضربه ابناه بالسيف فمات .
كل هؤلاء الضعفاء وقفوا أمام الله ، يتغنون بقول المزمور :
" جميع عظامي تقول يارب من مثلك ؟ المنقذ ؟ المنقذ المسكين ممن هو أقوى منه ، والفقير والبائس من سالبه " ( مز35 : 10 ) .
ذلك لأن كلاً من المسكين والفقير والبائس ، يقول من أعماقه : ارحمني يارب ، فإنى ضعيف " . أما الأقوياء فإنهم مساكين .
حتى الخطية لا تمسك إلا الأقوياء .
وهكذا يقول عنها الكتاب " إنها طرحت كثيرين جرحي ، وكل قتلاها أقوياء " ( أم7 : 26 )
من أمثال هؤلاء الأقوياء : الذي لا يحترس من الخطية ، ويقول : ليس لمثلي هذه الخطايا . إنها بسيطة ، تحارب المبتدئين ! أما الضعيف فيحترس منها ويقول : ارحمنى يارب فإني ضعيف . هذا هو الذي يخلص ...
هناك عبارة كتبتها مرة في مذاكرتي وهي :
قال الشيطان لله : أترك لي الأقوياء ، فإنني كفيل بهم . أما الضعفاء فإنني أخافهم . لأنهم إذ يشعرون بضعفهم ، يحاربونني بقوتك أنت ، فيقدرون علي .
الضعيف الذى يصرخ لك قائلاً في كل حين : ارحمني يارب فأنى ضعيف ... فهذا لا أقدر عليه . لأنه كلما يصرخ تأتى أنت وتقف بجانبه ، وتحارب عنه ، فلا أقدر عليه .
داود كان دائماً يصرخ إلى الرب ليحمية من الأقوياء .
فيقول " يارب باسمك خلصني ، فإن الأقوياء قاموا علي ، والأعزاء طلبوا نفسى " ( مز54 : 1 ، 2 ) وأنا ليس أمامي إلا أن أقول : " ارحمني يارب فأنى ضعيف " .. ذلك لأن الرب أقوى من جميع الأقوياء .
الله ضد الأقوياء المعتزين بقوتهم ، أو الشاعرين بقوتهم ، أو المعتمدين علي قوتهم .
انظروا ماذا يقول الرب فى سفر عاموس : " وأنا قد أبدت من أمامهم الأموري ، الذى قامته مثل قامة الأرز . وهو قوى كالبلوط . أبدت ثمرة من فوق ، وأصوله من تحت " ( عا2 : 9 ) .
من غير المعقول ، أن يبحث الله عن المساكين ليبيدهم ، بل يبيد أولئك المرتفعين بقامتهم إلى السماء . عند بناء الهيكل ، كان زر بابل محتاجاً إلى معونة الله . لذلك وصلت إليه المعونة الإلهية في سفر زكريا النبي تقول :
" لا بالقدرة ولا بالقوة ، بل بروحي قال رب الجنود " .
" من أنت أيها الجبل العظيم ؟! أمام زر بابل تصير سهلاً " ( زك4 : 6 ) .
من هنا تأتي القوة للإنسان الضعيف ، من عند رب الجنود . وهكذا يقول أيوب الصديق للرب " كيف أعنت من لا قوة له ، وخلصت ذراعاً لا عزلها " ( أي26 : 1 ) .
في صلواتك أيها الابن المبارك ، ينما تصل إلى عبارة " ارحمني يارب فأنى ضعيف " .
ادخل إلى داخل نفسك ، وحطم أصنامك المنصوبة في هيكل ذاتك .
وأول صنم تحطمه ، هو ذاتك الكبيرة الضخمة القوية في عينيك ، الجميلة في عينيك ، التي تستطيع أن تقتدر ، وتستطيع أن تعمل وأنت تنفذ ، وتستطيع أن تضرب وتعتدي .. حطم ذاتك حطمها ... وحينما تتحول ذاتك إلى تراب ورماد ، حينئذ يقف الله إلى جوارك .
وحينما يقف الله إلى جوارك ، أهمس في أذنيه بهذه الأنشودة الجميلة " ارحمني يارب فأني ضعيف " .