في دار القضاء
تقدمت امرأة إلى القاضي الروماني فيليب بالإسكندرية تشكو له أن راهبًا شابًا قد أخطأ... دهش فيليب الذي جاء من روما من قِبَل الإمبراطور أن يسمع عن راهب يخطيء هكذا، فمع كونه وثنيًا لكنه سمع الكثير عن تقوى الرهبان وفضائلهم.
كان فيليب يحب المسيحيين جدًا، ويسمع الكثير عن الرهبان، والتقى ببعضهم... لكنه كقاضٍ عادلٍ استدعى الراهب والمرأة معًا.
وقفت المرأة بكل جرأة توبخ الراهب قائلة إنه استخدم كل عنف ليخطيء... وأنه إنسان شرير لا يستحق إلا الموت.
كان الراهب الشاب وديعًا لا تفارقه ابتسامته...
حاول القاضي أن يعطي للراهب فرصته للدفاع عن نفسه، لكنه بقى صامتًا...
دهش فيليب جدًا، قائلاً في نفسه:
"هذا الراهب يستحق الموت،
وهو يعلم ذلك،
لكن كيف يواجه الموت ببشاشة، ولا يدافع عن نفسه بكلمة؟
إنه إنسان عجيب.
لأعطيه فرصة ليفكر في الأمر بأكثر جَدّية.
لألتقي به على انفراد قبل أن أحكم عليه!"
طلب القاضي أن تُرفع الجلسة، وأن يُحجز الراهب الليلة حتى يُحكم في القضية في اليوم التالي... وقد طلب من الحارس أن يُحسن معاملته له حتى الغد.
رُفعت الجلسة، ونظر القاضي في قضايا أخرى لكن صورة الراهب وملامحه لم تفارقه.
صوته ليس غريبًا
لم يستطع القاضي أن يترك دار القضاء ويذهب إلى منزله، فاستدعى الراهب وطلب منه أن يجلس معه...
بدأ معه في حوار طويل ليستشف منه عن أخلاقه، فأدرك أنه راهب تقي يحب الله...
كان الراهب قليل الكلام جدًا... لكن كلماته الرقيقة العذبة سحبت قلب القاضي جدًا حتى اشتاق أن يصير مسيحيًا بل وراهبًا...
توقف القاضي عن الكلام وأسند رأسه على يديه وبدأ يفكر:
"صوته ليس بغريب!
وإنني سمعته كثيرًا!
لكنني لم ألتقِ به من قبل!
تُرى من يكون هذا الراهب العجيب؟…
وكيف أتحقق من صدق كلام المرأة؟
إنه لم يدافع عن نفسه ولا بكلمة واحدة…"
لاحظ الراهب علامات الارتباك والحيرة على ملامح القاضي، فصارت دموعه تنساب بغزارة... حاول أن يخفيها فلم يستطع!
وجد القاضي فرصته لكي يتحدث مع الراهب في أمر المرأة:
"قل لي بحق إلهك: هل أنت أخطأت مع هذه المرأة؟
أرح ضميري!
هل تبكي خوفًا من الموت؟ أم هي دموع التوبة؟"
صمت الراهب طويلاً وأخيرًا انفجر في البكاء ووقف ليقول لفيليب:
"إنني في صراع مُرْ... فإنني كنت قد صممت ألا أدافع عن نفسي، وأن أستقبل الموت بفرح، فإنني مشتاق أن أرى يسوعي الحبيب ومخلصي... لكنني في نفس الوقت أود أن أخبرك عن حقيقة الموقف"...
فجأة صاح الراهب: "أنا ابنتك أوجيني!"
وارتمى الراهب على صدر القاضي الذي انهمرت الدموع من عينيه وهو يقول: "لقد قلت إن صوته ليس غريبًا عليّ!".
احتضن القاضي ابنته وصار يُقبِّلها... وخرج الاثنان من دار القضاء معًا...
لقاء مع كلوديا
إذ تأخر فيليب القاضي قلقت امرأته كلوديا، وصارت هي وأبناؤها يتطلعون من حين إلى آخر من الشرفة يترقبون مجيئه.
لاحظت كلوديا زوجها قادمًا ومعه الراهب يمسك بيده كأصدقاء...
اضطربت كلوديا، فهي تعلم أن رجلها قاضٍ عادلٍ، وفي نفس الوقت محب جدًا للرهبان مع أنه غير مسيحي... بدأت تتساءل: هل حبه للرهبان جعله يتغاضى عن العدالة؟ وإن كان هذا الراهب مظلومًا وحكم ببراءته، فلماذا يأتي براهب كهذا إلى بيته؟
صارت كلوديا في صراع فقد اعتادت أن تقابل زوجها بوجه باش في اشتياق وحب، لكنها متضايقة لتصرفه هذا…
فتح القاضي باب داره، وعلى غير العادة لم يجد زوجته في استقباله.
سأل عنها أولاده فقالوا إنها في حجرة النوم... دخل إلى الحجرة فأدرك أنها تبذل كل الجهد لكي تستقبله ببشاشة.
صار فيليب يلاطف زوجته، قائلاً لها:
"أقدم لك أعظم مفاجأة، وأجمل هديةٍ في حياتك كلها!"
أجابته: "وما هي؟"
قال لها: "الراهب!"
صمتت كلوديا طويلاً، لكنه قطع صمتها بقوله: "سأختبر ذكاءك... اجلسي معه، إنك تعرفينه حق المعرفة!"
دُهشت كلوديا لتصرفاته. لكنها خرجت إلى الراهب، وجاء كل أبنائها أيضًا...، عندئذ قال فيليب لعائلته:
"إنني لا أحتمل التأخير.
هذا الراهب هو ابنتنا أوجيني!"
ارتمت الأم على صدر ابنتها وصارت تقبِّلها، واندفع الأبناء إلى أختهم يقبِّلونها... وكانوا يسألونها: ما الذي حدث معكِ...
قالت الأخت:
"إنني أولاً أشكركم يا والديَّ!
لقد أعطيتماني الفرصة لكي يهذبني مدرسون فلاسفة روحيون هنا بالإسكندرية.
إنهم لم يحدثوني عن السيد المسيح.
لكنني رأيته في حياتهم وسلوكهم.
أحببت السيد المسيح جدًا!
لقد خفت أن أخبركما، فتعمدت خفية...
انطلقت إلى خارج مدينة الإسكندرية وأنا متخفية في ظل رجل، وصرت أتردد بين النساك قليلاً، وأخيرًا تتلمذت كراهب لدى أحد الشيوخ...
كنت متألمة لآلامكم، وكنت أصلي لأجلكم، فأنتم في قلبي!
كنت مازلت سعيدة بمسيحي الذي يحبني. إنه مات لأجلي".
بقيت أوجينى بزيها الرهباني في بيت أبيها، ولم يعلم أحد من أصدقاء العائلة عنها شيئًا...
مرت الأيام وتعمدت الأسرة كلها، وصار فيليب كاهنًا (يقول اللاتين إنه صار أسقفًا)... وقد استشهد وهو يصلي القداس الإلهي.
سافر الراهب مع أسرته إلى روما، وكانوا يكرزون بين الوثنيين بغيرة شديدة حتى استشهدوا على اسم السيد المسيح
تقدمت امرأة إلى القاضي الروماني فيليب بالإسكندرية تشكو له أن راهبًا شابًا قد أخطأ... دهش فيليب الذي جاء من روما من قِبَل الإمبراطور أن يسمع عن راهب يخطيء هكذا، فمع كونه وثنيًا لكنه سمع الكثير عن تقوى الرهبان وفضائلهم.
كان فيليب يحب المسيحيين جدًا، ويسمع الكثير عن الرهبان، والتقى ببعضهم... لكنه كقاضٍ عادلٍ استدعى الراهب والمرأة معًا.
وقفت المرأة بكل جرأة توبخ الراهب قائلة إنه استخدم كل عنف ليخطيء... وأنه إنسان شرير لا يستحق إلا الموت.
كان الراهب الشاب وديعًا لا تفارقه ابتسامته...
حاول القاضي أن يعطي للراهب فرصته للدفاع عن نفسه، لكنه بقى صامتًا...
دهش فيليب جدًا، قائلاً في نفسه:
"هذا الراهب يستحق الموت،
وهو يعلم ذلك،
لكن كيف يواجه الموت ببشاشة، ولا يدافع عن نفسه بكلمة؟
إنه إنسان عجيب.
لأعطيه فرصة ليفكر في الأمر بأكثر جَدّية.
لألتقي به على انفراد قبل أن أحكم عليه!"
طلب القاضي أن تُرفع الجلسة، وأن يُحجز الراهب الليلة حتى يُحكم في القضية في اليوم التالي... وقد طلب من الحارس أن يُحسن معاملته له حتى الغد.
رُفعت الجلسة، ونظر القاضي في قضايا أخرى لكن صورة الراهب وملامحه لم تفارقه.
صوته ليس غريبًا
لم يستطع القاضي أن يترك دار القضاء ويذهب إلى منزله، فاستدعى الراهب وطلب منه أن يجلس معه...
بدأ معه في حوار طويل ليستشف منه عن أخلاقه، فأدرك أنه راهب تقي يحب الله...
كان الراهب قليل الكلام جدًا... لكن كلماته الرقيقة العذبة سحبت قلب القاضي جدًا حتى اشتاق أن يصير مسيحيًا بل وراهبًا...
توقف القاضي عن الكلام وأسند رأسه على يديه وبدأ يفكر:
"صوته ليس بغريب!
وإنني سمعته كثيرًا!
لكنني لم ألتقِ به من قبل!
تُرى من يكون هذا الراهب العجيب؟…
وكيف أتحقق من صدق كلام المرأة؟
إنه لم يدافع عن نفسه ولا بكلمة واحدة…"
لاحظ الراهب علامات الارتباك والحيرة على ملامح القاضي، فصارت دموعه تنساب بغزارة... حاول أن يخفيها فلم يستطع!
وجد القاضي فرصته لكي يتحدث مع الراهب في أمر المرأة:
"قل لي بحق إلهك: هل أنت أخطأت مع هذه المرأة؟
أرح ضميري!
هل تبكي خوفًا من الموت؟ أم هي دموع التوبة؟"
صمت الراهب طويلاً وأخيرًا انفجر في البكاء ووقف ليقول لفيليب:
"إنني في صراع مُرْ... فإنني كنت قد صممت ألا أدافع عن نفسي، وأن أستقبل الموت بفرح، فإنني مشتاق أن أرى يسوعي الحبيب ومخلصي... لكنني في نفس الوقت أود أن أخبرك عن حقيقة الموقف"...
فجأة صاح الراهب: "أنا ابنتك أوجيني!"
وارتمى الراهب على صدر القاضي الذي انهمرت الدموع من عينيه وهو يقول: "لقد قلت إن صوته ليس غريبًا عليّ!".
احتضن القاضي ابنته وصار يُقبِّلها... وخرج الاثنان من دار القضاء معًا...
لقاء مع كلوديا
إذ تأخر فيليب القاضي قلقت امرأته كلوديا، وصارت هي وأبناؤها يتطلعون من حين إلى آخر من الشرفة يترقبون مجيئه.
لاحظت كلوديا زوجها قادمًا ومعه الراهب يمسك بيده كأصدقاء...
اضطربت كلوديا، فهي تعلم أن رجلها قاضٍ عادلٍ، وفي نفس الوقت محب جدًا للرهبان مع أنه غير مسيحي... بدأت تتساءل: هل حبه للرهبان جعله يتغاضى عن العدالة؟ وإن كان هذا الراهب مظلومًا وحكم ببراءته، فلماذا يأتي براهب كهذا إلى بيته؟
صارت كلوديا في صراع فقد اعتادت أن تقابل زوجها بوجه باش في اشتياق وحب، لكنها متضايقة لتصرفه هذا…
فتح القاضي باب داره، وعلى غير العادة لم يجد زوجته في استقباله.
سأل عنها أولاده فقالوا إنها في حجرة النوم... دخل إلى الحجرة فأدرك أنها تبذل كل الجهد لكي تستقبله ببشاشة.
صار فيليب يلاطف زوجته، قائلاً لها:
"أقدم لك أعظم مفاجأة، وأجمل هديةٍ في حياتك كلها!"
أجابته: "وما هي؟"
قال لها: "الراهب!"
صمتت كلوديا طويلاً، لكنه قطع صمتها بقوله: "سأختبر ذكاءك... اجلسي معه، إنك تعرفينه حق المعرفة!"
دُهشت كلوديا لتصرفاته. لكنها خرجت إلى الراهب، وجاء كل أبنائها أيضًا...، عندئذ قال فيليب لعائلته:
"إنني لا أحتمل التأخير.
هذا الراهب هو ابنتنا أوجيني!"
ارتمت الأم على صدر ابنتها وصارت تقبِّلها، واندفع الأبناء إلى أختهم يقبِّلونها... وكانوا يسألونها: ما الذي حدث معكِ...
قالت الأخت:
"إنني أولاً أشكركم يا والديَّ!
لقد أعطيتماني الفرصة لكي يهذبني مدرسون فلاسفة روحيون هنا بالإسكندرية.
إنهم لم يحدثوني عن السيد المسيح.
لكنني رأيته في حياتهم وسلوكهم.
أحببت السيد المسيح جدًا!
لقد خفت أن أخبركما، فتعمدت خفية...
انطلقت إلى خارج مدينة الإسكندرية وأنا متخفية في ظل رجل، وصرت أتردد بين النساك قليلاً، وأخيرًا تتلمذت كراهب لدى أحد الشيوخ...
كنت متألمة لآلامكم، وكنت أصلي لأجلكم، فأنتم في قلبي!
كنت مازلت سعيدة بمسيحي الذي يحبني. إنه مات لأجلي".
بقيت أوجينى بزيها الرهباني في بيت أبيها، ولم يعلم أحد من أصدقاء العائلة عنها شيئًا...
مرت الأيام وتعمدت الأسرة كلها، وصار فيليب كاهنًا (يقول اللاتين إنه صار أسقفًا)... وقد استشهد وهو يصلي القداس الإلهي.
سافر الراهب مع أسرته إلى روما، وكانوا يكرزون بين الوثنيين بغيرة شديدة حتى استشهدوا على اسم السيد المسيح