إن أردت أن تحب الله اتخذه لك صديقا
بقلم قداسة البابا شنودة
بل ليكن صديقك الأول الذى تهرع إليه قبل كل أحد تكشف له أسرارك وتحكى له أعماقك وتشعر بعمق الراحة فى الوجود معه تحكى له كل أفكارك وتكشف له أعماقك بكل صراحة وبكل صدق وبكل ثقة بقلب مفتوح ولا تسأم من الحديث إليه بل تقول :
عندى كلام كثير يارب لأقوله لك
أنا يارب أثق بمحبتك لى وبأنك تريد لى الخير وتقدر على ذلك لماذا لا أحكى لك كما أحكى لأحبائى من البشر ! أترانى أجد لذة فى أن أفتح قلبى لهولاء
( التراب والرماد)
( تك 18 : 27 )
وفى نفس الوقت أبعد عنك أنت يا خالق الكل ؟! وكلما تدعونى إليك انشغل بأمور أخرى وأحتج بضيق الوقت ..!!
لاشك أننا بالحديث مع الله ننفس عن أنفسنا
ونجد راحة إذ نلقى عليه كل همومنا كأب محب لنا نبادله الحب ولا نخفى عليه شيئا بل نجعله يشترك معنا فى كل ما نفعل وفى حب نسلمه أفكارنا ليقودها ويصحح مسارها إن كان فى مسلكها خطأ....
حاول أيضا أن تشرك الرب معك فى كل عمل
فمثلا إن كنت ذاهبا إلى عملك أو إلى مكان دراستك أو حيثما أردت أن تذهب قل له - قبل أن تخرج من بيتك - أنا يارب ذاهب إلى هذا المكان فكن معى فيه. وسأقابل فلانا من الناس وفقنى فى لقائه وفى الكلام معه وضع فى فمى الكلام الذى سأقوله...وهكذا تتحدث مع الله خلال اليوم...
أو قبل أن تخرج من منزلك قل له: أنا تارك يارب هذا البيت فى رعايتك...وتمشى فى الطريق وأنت شاعر أن الرب إلى جوارك وقبل أن تبدأ العمل مهما كنت ذكيا وصاحب خبرة قل له : يارب اشترك فى العمل معى فأنا بدونك لا أقدر أن أعمل شيئا
( يو 15 : 5 )
. وإن نجحت فى عملك قل له : لقد كانت يدك معى فى العمل فأشكرك واطلب دوام معونتك....
وإن أجريت لك أو لأحد أحبائك عملية جراحية ناجحة قل له : لقد كانت يدك مع الطبيب ومع المستشفى ..وهكذا ظهرت محبتك لنا ونحن نحبك كما أحببتنا
أمامك بأستمرار:
ولكى تحب الله اجعل الرب أمامك بأستمرار....
مثلما كان يقول داود النبى
( جعلت الرب أمامى فى كل حين لأنه عن يمينى فلا أتزعزع)
( مز 16 : 8 ) ( أع 2 : 25 ).
لاشك أن هذا الشعور يمنح القلب إيمانا وثقة وسلاما ولهذا يقول داود بعد هذه العبارة
( من أجل هذا فرح قلبى وابتهجت روحى...)
أو أجعل الرب أمامك كما كان يقول إيليا النبى:
( حى هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامه)
( 1 مل 18 : 15 )
وهكذا يملأ الرب حواسك وبالتالى يملأ فكرك وقلبك وتجد نفسك تحترس وتفعل كل ما يرضيه بل أيضا تشعر بصحبته لك ليس فقط ليعرف أعمالك
( رؤ 2 : 2 - 9 )
بل بالحرى ليشترك معك فيها او يدعوك لأن تشترك معه فيما يريده لأجلك أو لأجل ملكوته
وشعورك بوجود الله أمامك يمنحك قوة فلا تخطئ
ومثال ذلك يوسف الصديق الذى قال
( كيف أصنع هذا الشر العظيم واخطئ إلى الله)
( تك 39 : 9 )
..لقد كان يرى الله أمامه فى ذلك الوقت ولم يغب الله عن ذهنه لحظة واحدة ومن محبته لله لم يقل كيف أخطئ أمامه )
وإنما قال ( كيف أخطئ إليه ) ؟!
إنك تضع صورا كثيرة فى بيتك تراها أمامك....
فلماذا لا تضع الله أمامك مثل باقى الصور بل قبلها؟
تراه أمامك فى كل حين: حين تمشى فى الطريق وحين تكون فى بيتك وحين تجلس مع الناس ...لاشك أن بطرس الرسول حينما أنكر الرب لم تكن صورة الرب امامه ولكنه حينما صاح الديك وتذكر الرب وما سبق أن قاله له حينذاك خرج إلى خارج وبكى بكاءا مرا
( مت 26 : 75 )
إنك فى محبتك لله لست فقط ترى الله أمامك بل بالأكثر ترى نفسك فى حضنه
وتقول كما فى سفر النشيد ( شماله تحت رأسى ويمينه تعانقنى)
( نش 2 : 6 )
إنك إبنه الذى أحبك ومن أجلك فعل الكثير وان تذكرت كل حبه لك لابد ستبادله الحب ولا يمكن أن تخطئ بل تغنى له كل يوم تسبيحا جديدا وتقول مع عذراء النشيد( حبيبى لى وانا له الراعى بين السوسن)
( نش 6 : 3 )
( تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقى)
( نش 2 : 3 )
+ معك وانت معه :
ما أجمل أن تشعر أن الله معك وأنه ممسك بيدك وهو أمامك وعن يمينك ومحيط بك
أنت فى يده اليمنى
( رؤ 2 : 1 )
. وقد نقشك على كفه
( أش 49 : 16 )
ولا يستطيع أحد أن يخطف من يده شيئا
( يو 10 : 28 )
بل حتى جميع شعور رأسك محصاة
( لو 12 : 7 )
إن تذكطرت هذا الاله المحب لك وجعلته أمامك فإنك لابد ستحبه وتشعر بلأمان والأطمئنان لوجودك فى حضرته
إذن ما هو مركز الله عمليا فى حياتك لكيما تحبه؟
هل تجعله أمامك فى كل حين ؟ هل ترى عمله فى حياتك بأستمرار ؟ أم تمر عليك أيام لا يأتى فيها ذكر الله على قلبك وذهنك إلى أن يذكرك به يوم الرب حين تدخل الكنيسة !
أم تراك تنسى أن يوم الأحد هو يوم الرب وتسميه week end !!
حاول إذن أن تشعر باستمرار بوجودك فى حضرة الله وأن الله موجود معك ويعمل معك ولأجلك..
على أن القديس أغسطينوس وهو يرى حياته فى فترة ما قبل التوبة يقول للرب عن تلك الفترة:
كنت يارب معى ولكننى من فرط شقاوتى لم أكن معك !
كما ظهر لتلميذى عمواس بعد القيامة وتكلم معهما ولم يعرفاه
( لو 24 )
وكما ظهر لمريمالمجدلية ولم تعرفه وظنته البستانى
( يو 20 )
ليتك إذن تشعر بوجودك فى حضرته تشعر أن عينى الرب ناظرتان إليك بأستمرار وأن يده تمسك بك وانه يرعاك بحيث لا يعوزك شئ
( مز 23 : 1 ) هذه المشاعر تغرس الحب فى قلبك
وليس فقط تجعل الله امامك أو معك بل يكون الله فيك وأنت فيه...
تكون فيه كما يكون الغصن ثابتا فى الكرمة لكيما يستطيع أن يأتى بثمر
( يو 15 : 4 ، 5 )
وهو فيك لأنك هيكل الله وروح الله ساكن فيك
( 1 كو 3 : 16 )
وكما قال الرب( إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلا)
( يو 14 : 23 )
اسأل نفسك : هل ما زلت تحتفظ بالله داخلك ؟
هل الله فى قلبك وفى ذهنك وعلى لسانك وفى حياتك كلها...فى بيتك وفى عملك تحس بوجوده وتسعد بوجوده معك ويشترك معك فى كل شئ ؟ أم أنت قد ابتعدت عنه وأحزنت روح الله القدوس أو قد انفصلت عن الله بأنواع وطرق شتى؟!
إن كنا نتغذى بمحبة الله سننمو روحيا...
زحينما نتغذى بمحبته نقول أيضا لغيرنا ( ذوقوا وانظروا ما اطيب الرب)
( مز 34 : 8 )
. كذلك حينما نتغذى بكل كلمة تخرج من فم الله
( مت 4 : 4 )
وتكون لنا حياة فيه بتناولنا من سر الأفخارستيا ونشعر بحياته فينا فنقول مع القديس بولس الرسول :
( لى الحياة هى المسيح....)
( فى 1 : 21 )
( فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى)
( غل 2 : 20 )
+ حامل الله :
وهل انت تحمل اسم الله وعمله فى كل مكان تحل فيه ؟
حينما دخل داود إلى ميدان الجيش وقت تهديدات جليات أدخل اسم الله معه فقال
( الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا)
( 1 صم 17 : 47 ) .
وقال لجليات الجبار: ( انت تأتى إلى بسيف ورمح وأنا آتى إليك بأسم رب الجنود ..فى هذا االيوم يحبسك الرب فى يدى....)
( 1 صم 17 : 45 ، 46 )
وهكذا كان اسم الرب سبب اطمئنان ونصر وفرح لكل الجيش
يعجبنى القديس أغناطيوس الأنطاكى كان لقبه( الثيئوفورس) أى حامل الله.
فإن كنت تحب الله فلابد أنك ستحمل اسم الله معك إلى كل شخص يقابلك وإلى كل مكان تذهب إليه حينما تحمل اسم الله يعمل الله معك فينجح عملك ويفرح قلبك بهذا الانجاح وتحب الله الذى انجح طريقك كما قيل عن يوسف الصديق إن
( الرب معه) وأن كل ما كان يصنعه كان الرب ينجحه بيده
( تك 39 : 3 )
إن الله يمكنه ان يعمل كل شئ وحده فكل شئ به كان
( يو 1 )
ولكنه يحب ان يعمل بنا كأدوات فى يديه لكى نفرح بعمل الرب فينا ونحبه لأنه قد اختارنا لعمله فهل انت تعمل عمل الرب وهل تقول له :
( فى كل مكان أذهب إليه سأوجد لك يارب موضعا تسند فيه رأسك)
( لو 9 : 58 )
وهكذا يكون الحب متبادلا بينك وبين الله : هو يعمل فيك وأنت عمل لأجله هو من فرط حبه لك يرسلك لتعمل فى كرمه وأنت فى حبك له تقول
( ينبغى أن ذاك يزيد وأنى أنا أنقص)
( يو 3 : 30 )
ولكن الله لا يريدك ابدا أن تنقص بل بمحبته يجعلك منارة تنير لكل من فى البيت
( مت 5 : 15 )
ويقول لك : ( أباركك وتكون بركة)
( تك 12 : 2 )
أما أنت ففى محبتك لله تقول مع المرتل فى المزمور
ليس لنا يارب ليس لنا لكن لاسمك القدوس اعط مجدا
( مز 105 : 1 ).
الذى يحب الله يختفى ويظهر الله
كما كان يفعل يوحنا المعمدان فى كل كرازته لذلك انكر ذاتك تصل إلى محبة الله لإنك إن كنت تركز على محبة ذاتك فسوف تنشغل بها وليس بالله أما إذا أنكرت ذاتك فسوف يكون الله هوشغلك الشاغل وهو الذى يملأ القلب والفكر فتصل إلى محبته.
بقيت في مقالنا نقطة أخري توصل إلي محبة الله وهي:حاول أن كل شيء يذكرك به..ولكنك تلاحظ معي أن الصفحة ما عادت تتسع, فلنؤجلها إلي العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا.