مفهوم الصوم
( أ ) أذلال الجسد ( قهر – قمع )
+ قال القديس لنجيوس :
" الصوم يجعل الجسم يتضع " .
+ قال القديس مكسيموس :
" من غلب الحنجرة فقد غلب كل الوجاع " .
+ قال شيخ :
" جيد أن يكون فمكن منتنا من شدة الصوم ، فذلك أفضل من أن يوجد فيه رائحة خمر " .
+ قال أنبا دانيال :
" ما دام الجسد ينبت فبقدر ذلك تذيل النفس وتضعف ، وكلما ذبل الجسد نبتت النفس " .
+ شيخ حديثته أفكاره من جهة الصوم قائلة : " كل اليوم ، وتنسك غدا " : " لن أفعل ذلك ، لكني لأصوم اليوم وتتم أرادة الله غدا " .
( ب ) ضبط الحواس
+ قال مار اسحق :
" الذي يصوم عن الغذاء ، ولا يصوم قلبه عن الحنق والحقد ، ولسانه ينطق بالأباطيل باطل ، لأن صوم اللسان أخير من صوم القم ، وصوم القلب أخير من الأثنين . " .
+ قيل عن أنبا قسيان :
" أنه ذهب الي شيخ له 40 سنة في البرية ، وسأله بداية : " ماذا قومت أيها الأب في هذه الخلوة التي لا تكاد تلتقي فيها بانسان ؟ " فأجابه قائلا : " اني منذ أن ترهبنت ، لم تبصرني الشمس آكلا " فقال سائله : " ولا أبصرتني السمش غاصبا قط ؟ ! " .
+ قال :" لي ثلاثون سنة لم آكل فيها لحما " .
فأجابه الشيخ : " وهل لك ثلاثون سنة لم تخرج من فمك لعنة ، تلك التي نهاك الله عنها ؟ " فلما سمع الأخ ذلك قال : " بالحقيقة هذه هي العبادة المرضية لله " .
+ قال القديس باسيليوس :
" ان الصوم الحقيقي هو سجن الرذائل ، أعني ضبط اللسان ، وامساك الغضب وقهر الشهوات الدنسة
" .
كيف أصوم ؟
( أ ) الصوم . وكمية الأكل ( الطعام )
" كما أن الذئب لا يجتمع مع النعجة لانتاج ولد شبع البطن لا يجتمع مع توجع القلب لانتاج فضيلة " .
+ وقال آخر :
" لا تملأ بطنك من الخبز والماء ، ولا تشبع من نوم الليل ، فأن الجوع والسهر ينقيان أوساخ القلب من الأفكار ، والجسد من قتال النجاسة ، فيسكنه الروح القدس ، لا تقل " اليوم عيد آكل وأشرب " فأن الرهبان ليس لهم عيد علي الأرض ،/ وانما فصحهم هو خروجهم من الشر ، وعنصرتهم تكميل وصايا المسيح ، ومظالهم حصولهم في ملكوت السماء فأما الشبع من الخبز فأنما هو والد الخطية "
+ قال أنبا أولوجيوس لتلمذه :
" يا بني عود نفسك أضعاف بطنك بالصوم شيئا فشيئا ، لأن بطن الانسان انما يشبه زقا فارغا فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته ، كذلك الأحشاء التي تحشي بالأطعمة الكثيرة ، ان أنت جعلت فيها قليلا ضاقت وصارت لا تطلب منك الا القليل " .
+ قال أخ :
" مقاتلا بالزني ، فسأل شيخاً أن يبتهل في أمره لكيلا يقهره الشيطان ، فسأل الشيخ الله في أمره سبعة أيام وبعدها سأل الأخ عن حالته فقال له : " لم يخف القتال بعد " فتعجب الشيخ لذلك ، واذا بالشيطان قد ظهر له قائلا : " أما أنا ، فمنذ اليسوم الأول في ابتهالك الي الله بشأنه ، انصرفت عنه ، انما هو يقاتل ذاته وحده ، لأنه يأكل ويشرب وينام كثيرا " .
( ب ) الصوم . ونوع الطعام ( الأكل )
+ قالت القديسة سفرنيكي :
" لا يخدعنك تنعم العلمانيين الأغنياء ، كأن فيه شيئا نافعا من اجل اللذة ، لن أولئك يكرمون صناعة الطباخين لا غير ، فجز أنت بالصوم ساعة الأطعمة ، لأنه قد قيل : " أن نفسا مترفهة ، اذا أنتهرت من أربابها ألا تشبع خبزا ، فلن تطلب خمرا " .
+ قيل عن يوحنا ذهبي الفم :
" أنه مدة اقامته في البرطيركية كان غذاؤه ماء الشعير والدشيشة يوميا كما كان يأخذ طعامه بوزن ومقدار ، وهذا ما جعله أن ينسي الشهوة ، أما ثوبه فقد كان من خرق وشعر خشن ، ولم يكن له ثالث " .
( جـ ) الصوم . وفترة الانقطاع
+ قال الأب أوغاريتوس :
" أقرن محبة اللاهوتية بالجوع ، لأنه يأتي بالراهب الي ميناء عدم الأوجاع"
+ قال الأب لوقيوس :
" توجعت معدتي مرة وطلبت طعاما في غير أوانه ، فقلت لها : موتي ما دمت قد طلبت طعاما في غير اوانه ، فها أنا أقطع عنك ما كنت أعطيك أياه في أوانه " .
+ قالت القديسة سفرنيكي :
" إذا صمت قلا تحتج بمرض . لأن الذين يصومون قد يسقطون في مثل هذه الأمراض ، وإذا بدأت بالخير فلا تتعرق بقطع الشيطان أياك ، فأنه سيبطل بصبرك"
( د ) الاعتدال في الصوم
+ سؤال :
" كيف ينبغي للراهب أن يمارس خدمته في الترتيل وتقدير الصوم؟ " .
+ الجواب :
" سبيله الا يعمل شيئا يزيد علي المرسوم ، وذلك لأن كثيرين أرادوا أن يزيدوا علي ما رسم ، فما أستطاعوا فيما بعد أن يعملوا ، حتي ولو أقل منه " .
+ سأل أخ الأب لوقيوس قائلا : " أريد أن أصوم يومين يومين "
فقال له شيخ : " قد قال أشعياء النبي أن أنت أضنيت عنقك كالحلقة ، وأفترشت المسوح والرماد ، فلن يعتبر ذلك صوما مقبولا ، أما أردت الصوم حقا فأصرف الأفكار الخبيثة " .
+ قيل :
أنه كان في الصعيد راهب قد بلغ من التقشف مبلغا عظيما ، ظافرا علي صلوات وطلبات وسهر ، ومالكا عدم القنية الي أبعد غاية ، يفني جسده بالأصوام والأتعاب . هذا كان قد بدأ جهاده بأن كان يتنازل كل عشية ملء راحته قطينية مبلولة وكفي . وصار يتدرج الي أن أصبح يتناول ذلك القدر يوما بعد يوم ، وهكذا حتي استطاع بعد مدة أن يأكله مرة واحدة كل أسبوع مساء الأحد أو يأكل مما اتفق له من الحشائش النباتنية ، ومكث علي هذه الحال مدة من الزمان ، فحسده الشيطان وأراد أن يرميه في الكبرياء ، فوسوس له بأنه قد سلك في النسك مسلكا لم يبلغه أحد من البشر ، وأنه يجب أن يجترح الآيات كي يزداد نشاطه ، ويري الناس العجدائب فيمجدوا الله ، لأن الرب نفسه ايضا قال : " ليري الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات " .
فسأل الرب من أجل هذا الأمر / وإذا لم يشأ الاله المتعطف أن يظلم تعبه ، فقد ألهمه فكرا بأن الرسول يقول : " لسنا كفأة أن نري رأيا من أنفسنا " .
وقال : " أن كان ذلك السيد لم يجد نفسه كفئا لان يري رأيا من ذاته ، فكم بالحري يجب علي أنا الشقي أن أقول هذا القول ، أقول أذن وأمضي إلي فلان المتوحد ، ومهما قال لي أقبله كمرسل لي من قبل الله " .
وكان ذلك المتوحد راهباً كبيراً وقد نجح في عمل المشورة ، حتي استطاع أن يفيد من يسأله . فقام للوقت ومضي اليه ، فلما دخل قلايته رأي المتوحد قردين جالسين علي كتفيه ، ممسكين عنقه بسلسلة ، وكان منهما يرهقه جذبا اليه ، فلما شاهد هذا المنظر عرف السبب اذ كان متفقها جدا . وأنه تنهد باكيا بسكون ومن بعد الصلاة وما جرت بع العادة من السلام ، جلسا مدة ساعة صامتين لأنه هكذا كانت عبادة الآباء الذين هناك ، ثم فتح الراهب القادم فاه قائلا : " أيها الأب ، انفعني وأردني مرشدا للخلاص . لا تردني يا أبي ني موقن بفضلك وقد ألزمت قبول مشورتك " .
فأجاب الشيخ : " أني أخشي أنك لا تسمع مني ، ولذلك أفضل أن أمتنع من ذلك " فحقق وأكد له أنه قبل مجيئه قد عاهد نفسه قائلا : " مهما قلت لي اقبله كما من فم الله " .
فقال الشيخ : " خذ هذه النقود وأمض الي المدينة وابتع عشر خبزات وقسط نبيذ وعشر أرطال لحم وعد بها الي " . فحزن الأخ لذلك جدا ، لكنه علي كل حال أخذ ما أعطاه له مضي كئيبا ، وفي طريقه جاءته الأفكار قائلة :
" أي شيء يقصده هذا الشسخ ؟ وكيف أستطيع أنا أن أبتاع هذه الأشياء وكيف أحملها . وما هي موقفي من العلمانيين مما يضطرني الي أن أذوب خجلا ؟ " وهكذا سأل واحدا فابتاع له الخبز ، وآخر ابتاع له النبيذ ، ولما جاء دور اللحم قال : " يا ويلي كيف أحصل علي اللحم ، سواء أبتغيه أنا بيدي أم كلفت آخر " ، ثم كلف رجلا علمانيا فأبتاع له اللحم ، وحمل الجميع وجاء بها الي الشيخ مفكررا .
فقال له الشيخ : " أطبخ اللحم وطجنه " ففعل ذلك معبسا .
فقال له الشيخ :" لا تنسي ما عاهدتني به أنك سوف تفعل جميع ما أشر به عليك ، فخذ هذه الأشياء جميعها ، وأمضي الي قلايتك ، وصل وتناول خبزة واحدة وشربة واحدة من النبيذ ورطل لحم في كل يوم عند المساء . ومن بعد عشرة ايام عد الي : . فلم يتجاسر علي أن يرد له جوابا .
وهكذا أخذ كل ما اعطاه ومضي حزينا باكيا قائلا في نفسه : " من أي درجة في الصوم هبطت ، وفي أي حالة حصلت ؟ " ثم قال لنفسه : " أن لم أفعل ما أمرني به أكون قد خالفت الله ، لأني قد عاهدته أنه مهما قال لي أفعله كما من فم الله والأن يارب ، أنظر الي شقاوتي وارحمني وأغفر لي خطيئتي لأني مضطر أن أعمل خلاف هواي : . وجاء الي قلايته باكيا ، وتمم ما قاله له الشيخ ، وانعكف علي الصلاة انعكافا بليغا ، وكان اذا ما اكل ، يبل الخبز بدموعه قائلا : " يا الله قد أهملت وخذلت من يدك " فلما رأي الله حزنه وبكاءه ومسكنته ، عزي قلبه وكشف له السبب ، فشكر الله واعترف بالقول النبوي : " أن كل بر الانسان مثل خرقة الطامث ، وأيضاً " لأن يبن الرب البيت فباطلا يتعب البناؤن وان لم يحرس الرب المدينة فباطلا يسهر الحراس " .
وهكذا عاد الي الشيخ منهوك الجسم موعوكا أكثر مما كان وهو يطوي الأسابيع صائما . فلما رآه الشيخ متذللا متمسكا قبله بفرح بوجه طلق ، وصليا وجلسا صامتين مدة ساعة ، ثم قال الشيخ : يا ولدي ، أن الله المحب للبشر قد تعاهدك ، ولم يمكن العدو من الاستيلاء عليك ، لأنه من عاداته دائما خدعة من يسلك مسلك الفضيلة بوجوه تتبين أنها واجبة ، ويسوقهم بها الي مرض الكبرياء ويأمرهم أن يخوضوا في خوض عظيم من الفضائل حتي – من هذه الوجهة – يهبطهم هبوطا عظيما ، لآنه ليس عند الله شيء مرزول مثل مرض الكبرياء . ولا ثمة فضيلة تساوي التواضع ، فتأمل الأمرين من مثل الفريسي والعشار ، لأن بعض الشيوخ يقولون أن بعض الافراطات من أعمال الشياطين ، فاسلك طريقا ملوكية كما قال الكتاب ، ولا تمل يمنة ولا يسرة ، اتبع التوسط في الأمور . في كل عشية يكون اغتذاؤك وان دعت الضرورة لمرض أو عارض يعرض ، فاسلك للوقت بحسب ما تقتضيه الحال ، كذلك أن أقتضي الأمر حل الساعة المحدودة فلا تحزن ، وأن اقتضي أن تتناول في يوم غير مطلق ، فتناوله ، لسنا تحت ناموس بل تحت نعمة . فماذا أكلت فلا تمتليء بل اقتصر سيما من الأطعمة الحنجرانية ، وأحب دائما ما كان دونا ، وأحفظ قلبك لأن النبي يقول : " ضحية الله روح منسحقة ، والله لا يرذل القلب المتواضع المنكسر " .
وقد قال أيضاً : " تواضعت فخلصني الرب : والرب يقول بلسان أشعياء النبي : " الي من أنظر ، الا الي الوديع الخائف من كلامي : . فألق يابني أتكالك علي الرب واسلك طريقك بسلام وهو يفعل لك الخير / ويخرج عدلك كضوء وحكمك كالظهيرة .
وبعد ان دعم الأخ بأقوال كثيرة ، اخلي سبيله مسرورا بالرب ، واذ كأن يمضي ترنك قائلا : " خائفوك وعارفو شهادتك ليروني ، وأدبا أدبني الرب وإلي الموت لم يسلمني ، ويؤدبني الصديق برحمة ويوبخني : وقال لنفسه " أرجعي يا نفسي الي موضع راحتك لأن الرب قد أحسن اليك " وبقية القول . وهكذا جاء الي قلايته ، وأمضي بقية عمره حسب.
( د ) عنصر الخفاء في الصوم
علمت في بعض القلالي أغابي وتفسيرها " المحبة " ، وتقال بلغة القبط( افراشي ) ، وتفسيرها " الفرح " ، وجلسوا يأكلون ، وكان بينهم أخه لا يأكل طبيخا ، فقال أحد الأخوة للخادم :
" أن ههنا أخا لا يأكل طبيخا قط ، وهو يريد قليلا من الماء والملح ، فأعلي الخادم صوته ونادي خادما آخر : " أن الأخ فلان لا يأكل طبيخاً ، فأحضر له قليلا من الماء والملح ".
فقام أحد الشيوخ من المائدة وقال له : " لقد كان خير لك لو جلست في قلايتك وأكلت لحما ، من ان تصدر عنك هذه الغضبة هكذا علي رؤوس الملأ " .
عندما يحل القانون
+ مرة زار أنبا أولونيوس أسقف فيلوابولاوس في جبل انطونيوس الأب سيصوي ولما عزم علي الأنصراف جعله يتغذي باكرا قبل انصرافه وكان صوما ، فلما وضعت المائدة ، اذا قوم يقرعون الباب ، فقال لتلميذه : " قدم لهم قليلا من الطبيخ " فقال الأسقف : " دعهم الآن لئلا يقولوا ان سيصوي يأكل باكراً " فتأمله الشيخ وقال للأخ : " امضي اعطهم " فلما أبصروا الطبيخ ، قالوا للأخ : " يا تري هل عندكم ضيوف ، والشيخ يأكل معهم ؟ " قال نعم ، فحزنوا قائلين : " لماذا ترتكم الشيخ يأكل في مثل هذا الوقت ؟ أما تعلمون أن الشيخ يعذب ذاته أياما كثيرة بسبب هذه الأكلة ؟ " فلما سمع السقف هذا الكلام ، صنع مطانية قائلا : " أغفر لي يا أبي لأني تفكرت فكرا بشريا ، أما أنت فقد صنعت أوامر الله " ، فقال الشيخ : " أن لم يمجد الله الانسان ، فمجد الناس ليس شيئاً .
+ وحدث مرة أيضاً أن زاره أنبا قسيانوس ، والقديس جرمانوس ، وهما شيخان من فلسطين ، فاحتفل بضيافتهما ، فسألاه لأي سبب لا تحفظوا رسوم صومكم في وقت ضيافكيم الاخوة الغرباء علي ما عرفناه في بلدنا فسلطين ؟
فأجابهم قائلا : " أن الصوم معي دائما ، وأما أنت فلست معي دائما ، والصوم شيء نافع لازم ، وهومن نيتنا ومن أرادتنا ، وأما أكمال المحبة فيطالبنا به ناموس الله بلازم الاضطرار ، فبكم أقبل المسيح ويوجب علي دينا لازما بأن أخدمه بكل حرص ، فاذا شيعتكم امكنني استعادة صومي ، وذلك ان ابناء العرس لا يستطيعون ان يصوموا مدام العريس معهم ، فمتي رفع الحتن فحينئذ يصومون بسلطان ".
+ حدث أن أضاف اخوة بدير الأب سلوانس مع تلميذه زكريا وجعلوهما يتغذيان قبل انصرافهما ، وفي ذهابهما عطش التلميذ ، فلما وجد في الطريق ماء ليشرب ، منعه الشيخ قائلا : " لم يأت وقت الافطار بعد " فقال التلميذ : ألم نأكل قبل انصرافنا يا أبي ؟ ! " فقال له الشيخ : " أنه لأجل المحبة اكطلنا ، والآن لا نحل قانوننا " .
أما أنبا سيصوي الصعيدي فلم يكن يحل قانونه لأمر ما . جاء عنه انه كان ساكنا في غيضه وكان شيخ آخر مريضاً في ( السيق ) ، فلما سمع حزن ، لأنه كان يصوم يومين يومينن ، وكان ذلك اليوم من الأيام التي لا يأكل فيها ، فقال : " ماذا أصنع ؟ ان مضيت ربما الزمني الاخوة بأن آكل " ، وأن صبرت الي الغد ، فربما يتنيح الشيخ ، لكني هكذا اصنع ، أمضي ولا اكل " ، وفعلا مضي وأتم وصية الله ، ولم يحل قانونه ، وقد أخبر عنه أيضاً بعض الآباء ، أنه أراد وقتا ما أن يغلب النوم ، فعلق ذاته في صخرة ، فجاء ملاك الله وأوصاه الا يصنع مثل هذا ولا يجعل ذلك عادة لآخرين .
تدريب حياة الصوم والنسك الدائم
+ قال شيخ :
" حصن الراهب هو الصوم ، وسلاحه هو الصلاة ، فمر ليس له صوم دائم فلا يوجد حصن يمنع عنه العدو ، ومن ليست له صلا تقية ، فليس له سلاح يقاتل به العداء " .
+ اذعوا في برية مصر :
" ان الصيام الكبير قد بدأ ، فمر أخ بشيخ كبير وقال له : " لقد بدأ الصوم يا أبي "
فقال: " أي صيام يا ابني ؟ " .
فقال له الأخ : " الصيام الكبير !" .
فأجاب الشيخ وقال له : " حقاً أقول لك ، أن لي هنا 53 سنة ، لا أدري متي يبدأ الصوم الذي تقول لي عنه ولا متي ينتهي ،ولكن سيرة سنيني كلها واحدة " .
+ قيل عن الأب ديسقورس ( الشماس )
أن خبزه كان من شعير وعدس ، وفي كل سنة كان يرسم لنفسه خطة يبدأ بها جهاده قائلا مثلا : " في هذه السنة سوف لا التقي بانسان ، ولن أكلم أحدا وفي هذه السنة لن أكل طبيخاً ولن اتذوق ثمرة " ، وهكذا كان يصنع في كل خطة ، فاذا تمم احداها ، بدأ بالأخري ،وهكذا كان الحال طوال السنة ، وقد كان يقول : " أن كنا نلبس الثوب السمائي ، فلن نوجد عراة ، وأن وجدنا لابسين غير ذلك الثوب ، فماذا نصنع ؟ نخاف أن نسمع ذلك الصوت القائل : أخرجوه الي الظلمة القصوي ، هناك يكون البكاء وصرير الاسنان فالآن يا أخوتي ، قبيح بنا أن نقضي في لبس الاسكيم هذه السنين كلها ، وأن نوجد عراة في اليوم الأخير وليس علينا ثياب العرس ، فالويل لنا من تلك الندامة ، اذا ما نظرنا الي سائر الأبرار والصديقين ، وهم يصعدون الي السماء ، ونحن نساق الي العذاب " .
+ جاء عن الأب الاديوس
أنه أقام بالاسقيط 20 سنة بقلاية ، كان طعامه خبزا وملحا دائما ، واذا وافت ايام الفصح ، كان يقول : " ان الأخوة يأكلون خبزا وملحا ، فعلي أن آكل خبزا وأنا واقف " .
قال " أني أعرف انسانا من أهل القلالي ، هذا قد صام جمعة الفصح كلها ، فلما كان وقت الاجتماع في عشية السبت ، لم يحضر مع الاخوة ، لئلا يأكل شيئا مما يوضع علي المائدة ، بل عمل في قلايته يسيرا من السلق ، وأكله بغير زيت "
( أ ) أذلال الجسد ( قهر – قمع )
+ قال القديس لنجيوس :
" الصوم يجعل الجسم يتضع " .
+ قال القديس مكسيموس :
" من غلب الحنجرة فقد غلب كل الوجاع " .
+ قال شيخ :
" جيد أن يكون فمكن منتنا من شدة الصوم ، فذلك أفضل من أن يوجد فيه رائحة خمر " .
+ قال أنبا دانيال :
" ما دام الجسد ينبت فبقدر ذلك تذيل النفس وتضعف ، وكلما ذبل الجسد نبتت النفس " .
+ شيخ حديثته أفكاره من جهة الصوم قائلة : " كل اليوم ، وتنسك غدا " : " لن أفعل ذلك ، لكني لأصوم اليوم وتتم أرادة الله غدا " .
( ب ) ضبط الحواس
+ قال مار اسحق :
" الذي يصوم عن الغذاء ، ولا يصوم قلبه عن الحنق والحقد ، ولسانه ينطق بالأباطيل باطل ، لأن صوم اللسان أخير من صوم القم ، وصوم القلب أخير من الأثنين . " .
+ قيل عن أنبا قسيان :
" أنه ذهب الي شيخ له 40 سنة في البرية ، وسأله بداية : " ماذا قومت أيها الأب في هذه الخلوة التي لا تكاد تلتقي فيها بانسان ؟ " فأجابه قائلا : " اني منذ أن ترهبنت ، لم تبصرني الشمس آكلا " فقال سائله : " ولا أبصرتني السمش غاصبا قط ؟ ! " .
+ قال :" لي ثلاثون سنة لم آكل فيها لحما " .
فأجابه الشيخ : " وهل لك ثلاثون سنة لم تخرج من فمك لعنة ، تلك التي نهاك الله عنها ؟ " فلما سمع الأخ ذلك قال : " بالحقيقة هذه هي العبادة المرضية لله " .
+ قال القديس باسيليوس :
" ان الصوم الحقيقي هو سجن الرذائل ، أعني ضبط اللسان ، وامساك الغضب وقهر الشهوات الدنسة
" .
كيف أصوم ؟
( أ ) الصوم . وكمية الأكل ( الطعام )
" كما أن الذئب لا يجتمع مع النعجة لانتاج ولد شبع البطن لا يجتمع مع توجع القلب لانتاج فضيلة " .
+ وقال آخر :
" لا تملأ بطنك من الخبز والماء ، ولا تشبع من نوم الليل ، فأن الجوع والسهر ينقيان أوساخ القلب من الأفكار ، والجسد من قتال النجاسة ، فيسكنه الروح القدس ، لا تقل " اليوم عيد آكل وأشرب " فأن الرهبان ليس لهم عيد علي الأرض ،/ وانما فصحهم هو خروجهم من الشر ، وعنصرتهم تكميل وصايا المسيح ، ومظالهم حصولهم في ملكوت السماء فأما الشبع من الخبز فأنما هو والد الخطية "
+ قال أنبا أولوجيوس لتلمذه :
" يا بني عود نفسك أضعاف بطنك بالصوم شيئا فشيئا ، لأن بطن الانسان انما يشبه زقا فارغا فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته ، كذلك الأحشاء التي تحشي بالأطعمة الكثيرة ، ان أنت جعلت فيها قليلا ضاقت وصارت لا تطلب منك الا القليل " .
+ قال أخ :
" مقاتلا بالزني ، فسأل شيخاً أن يبتهل في أمره لكيلا يقهره الشيطان ، فسأل الشيخ الله في أمره سبعة أيام وبعدها سأل الأخ عن حالته فقال له : " لم يخف القتال بعد " فتعجب الشيخ لذلك ، واذا بالشيطان قد ظهر له قائلا : " أما أنا ، فمنذ اليسوم الأول في ابتهالك الي الله بشأنه ، انصرفت عنه ، انما هو يقاتل ذاته وحده ، لأنه يأكل ويشرب وينام كثيرا " .
( ب ) الصوم . ونوع الطعام ( الأكل )
+ قالت القديسة سفرنيكي :
" لا يخدعنك تنعم العلمانيين الأغنياء ، كأن فيه شيئا نافعا من اجل اللذة ، لن أولئك يكرمون صناعة الطباخين لا غير ، فجز أنت بالصوم ساعة الأطعمة ، لأنه قد قيل : " أن نفسا مترفهة ، اذا أنتهرت من أربابها ألا تشبع خبزا ، فلن تطلب خمرا " .
+ قيل عن يوحنا ذهبي الفم :
" أنه مدة اقامته في البرطيركية كان غذاؤه ماء الشعير والدشيشة يوميا كما كان يأخذ طعامه بوزن ومقدار ، وهذا ما جعله أن ينسي الشهوة ، أما ثوبه فقد كان من خرق وشعر خشن ، ولم يكن له ثالث " .
( جـ ) الصوم . وفترة الانقطاع
+ قال الأب أوغاريتوس :
" أقرن محبة اللاهوتية بالجوع ، لأنه يأتي بالراهب الي ميناء عدم الأوجاع"
+ قال الأب لوقيوس :
" توجعت معدتي مرة وطلبت طعاما في غير أوانه ، فقلت لها : موتي ما دمت قد طلبت طعاما في غير اوانه ، فها أنا أقطع عنك ما كنت أعطيك أياه في أوانه " .
+ قالت القديسة سفرنيكي :
" إذا صمت قلا تحتج بمرض . لأن الذين يصومون قد يسقطون في مثل هذه الأمراض ، وإذا بدأت بالخير فلا تتعرق بقطع الشيطان أياك ، فأنه سيبطل بصبرك"
( د ) الاعتدال في الصوم
+ سؤال :
" كيف ينبغي للراهب أن يمارس خدمته في الترتيل وتقدير الصوم؟ " .
+ الجواب :
" سبيله الا يعمل شيئا يزيد علي المرسوم ، وذلك لأن كثيرين أرادوا أن يزيدوا علي ما رسم ، فما أستطاعوا فيما بعد أن يعملوا ، حتي ولو أقل منه " .
+ سأل أخ الأب لوقيوس قائلا : " أريد أن أصوم يومين يومين "
فقال له شيخ : " قد قال أشعياء النبي أن أنت أضنيت عنقك كالحلقة ، وأفترشت المسوح والرماد ، فلن يعتبر ذلك صوما مقبولا ، أما أردت الصوم حقا فأصرف الأفكار الخبيثة " .
+ قيل :
أنه كان في الصعيد راهب قد بلغ من التقشف مبلغا عظيما ، ظافرا علي صلوات وطلبات وسهر ، ومالكا عدم القنية الي أبعد غاية ، يفني جسده بالأصوام والأتعاب . هذا كان قد بدأ جهاده بأن كان يتنازل كل عشية ملء راحته قطينية مبلولة وكفي . وصار يتدرج الي أن أصبح يتناول ذلك القدر يوما بعد يوم ، وهكذا حتي استطاع بعد مدة أن يأكله مرة واحدة كل أسبوع مساء الأحد أو يأكل مما اتفق له من الحشائش النباتنية ، ومكث علي هذه الحال مدة من الزمان ، فحسده الشيطان وأراد أن يرميه في الكبرياء ، فوسوس له بأنه قد سلك في النسك مسلكا لم يبلغه أحد من البشر ، وأنه يجب أن يجترح الآيات كي يزداد نشاطه ، ويري الناس العجدائب فيمجدوا الله ، لأن الرب نفسه ايضا قال : " ليري الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات " .
فسأل الرب من أجل هذا الأمر / وإذا لم يشأ الاله المتعطف أن يظلم تعبه ، فقد ألهمه فكرا بأن الرسول يقول : " لسنا كفأة أن نري رأيا من أنفسنا " .
وقال : " أن كان ذلك السيد لم يجد نفسه كفئا لان يري رأيا من ذاته ، فكم بالحري يجب علي أنا الشقي أن أقول هذا القول ، أقول أذن وأمضي إلي فلان المتوحد ، ومهما قال لي أقبله كمرسل لي من قبل الله " .
وكان ذلك المتوحد راهباً كبيراً وقد نجح في عمل المشورة ، حتي استطاع أن يفيد من يسأله . فقام للوقت ومضي اليه ، فلما دخل قلايته رأي المتوحد قردين جالسين علي كتفيه ، ممسكين عنقه بسلسلة ، وكان منهما يرهقه جذبا اليه ، فلما شاهد هذا المنظر عرف السبب اذ كان متفقها جدا . وأنه تنهد باكيا بسكون ومن بعد الصلاة وما جرت بع العادة من السلام ، جلسا مدة ساعة صامتين لأنه هكذا كانت عبادة الآباء الذين هناك ، ثم فتح الراهب القادم فاه قائلا : " أيها الأب ، انفعني وأردني مرشدا للخلاص . لا تردني يا أبي ني موقن بفضلك وقد ألزمت قبول مشورتك " .
فأجاب الشيخ : " أني أخشي أنك لا تسمع مني ، ولذلك أفضل أن أمتنع من ذلك " فحقق وأكد له أنه قبل مجيئه قد عاهد نفسه قائلا : " مهما قلت لي اقبله كما من فم الله " .
فقال الشيخ : " خذ هذه النقود وأمض الي المدينة وابتع عشر خبزات وقسط نبيذ وعشر أرطال لحم وعد بها الي " . فحزن الأخ لذلك جدا ، لكنه علي كل حال أخذ ما أعطاه له مضي كئيبا ، وفي طريقه جاءته الأفكار قائلة :
" أي شيء يقصده هذا الشسخ ؟ وكيف أستطيع أنا أن أبتاع هذه الأشياء وكيف أحملها . وما هي موقفي من العلمانيين مما يضطرني الي أن أذوب خجلا ؟ " وهكذا سأل واحدا فابتاع له الخبز ، وآخر ابتاع له النبيذ ، ولما جاء دور اللحم قال : " يا ويلي كيف أحصل علي اللحم ، سواء أبتغيه أنا بيدي أم كلفت آخر " ، ثم كلف رجلا علمانيا فأبتاع له اللحم ، وحمل الجميع وجاء بها الي الشيخ مفكررا .
فقال له الشيخ : " أطبخ اللحم وطجنه " ففعل ذلك معبسا .
فقال له الشيخ :" لا تنسي ما عاهدتني به أنك سوف تفعل جميع ما أشر به عليك ، فخذ هذه الأشياء جميعها ، وأمضي الي قلايتك ، وصل وتناول خبزة واحدة وشربة واحدة من النبيذ ورطل لحم في كل يوم عند المساء . ومن بعد عشرة ايام عد الي : . فلم يتجاسر علي أن يرد له جوابا .
وهكذا أخذ كل ما اعطاه ومضي حزينا باكيا قائلا في نفسه : " من أي درجة في الصوم هبطت ، وفي أي حالة حصلت ؟ " ثم قال لنفسه : " أن لم أفعل ما أمرني به أكون قد خالفت الله ، لأني قد عاهدته أنه مهما قال لي أفعله كما من فم الله والأن يارب ، أنظر الي شقاوتي وارحمني وأغفر لي خطيئتي لأني مضطر أن أعمل خلاف هواي : . وجاء الي قلايته باكيا ، وتمم ما قاله له الشيخ ، وانعكف علي الصلاة انعكافا بليغا ، وكان اذا ما اكل ، يبل الخبز بدموعه قائلا : " يا الله قد أهملت وخذلت من يدك " فلما رأي الله حزنه وبكاءه ومسكنته ، عزي قلبه وكشف له السبب ، فشكر الله واعترف بالقول النبوي : " أن كل بر الانسان مثل خرقة الطامث ، وأيضاً " لأن يبن الرب البيت فباطلا يتعب البناؤن وان لم يحرس الرب المدينة فباطلا يسهر الحراس " .
وهكذا عاد الي الشيخ منهوك الجسم موعوكا أكثر مما كان وهو يطوي الأسابيع صائما . فلما رآه الشيخ متذللا متمسكا قبله بفرح بوجه طلق ، وصليا وجلسا صامتين مدة ساعة ، ثم قال الشيخ : يا ولدي ، أن الله المحب للبشر قد تعاهدك ، ولم يمكن العدو من الاستيلاء عليك ، لأنه من عاداته دائما خدعة من يسلك مسلك الفضيلة بوجوه تتبين أنها واجبة ، ويسوقهم بها الي مرض الكبرياء ويأمرهم أن يخوضوا في خوض عظيم من الفضائل حتي – من هذه الوجهة – يهبطهم هبوطا عظيما ، لآنه ليس عند الله شيء مرزول مثل مرض الكبرياء . ولا ثمة فضيلة تساوي التواضع ، فتأمل الأمرين من مثل الفريسي والعشار ، لأن بعض الشيوخ يقولون أن بعض الافراطات من أعمال الشياطين ، فاسلك طريقا ملوكية كما قال الكتاب ، ولا تمل يمنة ولا يسرة ، اتبع التوسط في الأمور . في كل عشية يكون اغتذاؤك وان دعت الضرورة لمرض أو عارض يعرض ، فاسلك للوقت بحسب ما تقتضيه الحال ، كذلك أن أقتضي الأمر حل الساعة المحدودة فلا تحزن ، وأن اقتضي أن تتناول في يوم غير مطلق ، فتناوله ، لسنا تحت ناموس بل تحت نعمة . فماذا أكلت فلا تمتليء بل اقتصر سيما من الأطعمة الحنجرانية ، وأحب دائما ما كان دونا ، وأحفظ قلبك لأن النبي يقول : " ضحية الله روح منسحقة ، والله لا يرذل القلب المتواضع المنكسر " .
وقد قال أيضاً : " تواضعت فخلصني الرب : والرب يقول بلسان أشعياء النبي : " الي من أنظر ، الا الي الوديع الخائف من كلامي : . فألق يابني أتكالك علي الرب واسلك طريقك بسلام وهو يفعل لك الخير / ويخرج عدلك كضوء وحكمك كالظهيرة .
وبعد ان دعم الأخ بأقوال كثيرة ، اخلي سبيله مسرورا بالرب ، واذ كأن يمضي ترنك قائلا : " خائفوك وعارفو شهادتك ليروني ، وأدبا أدبني الرب وإلي الموت لم يسلمني ، ويؤدبني الصديق برحمة ويوبخني : وقال لنفسه " أرجعي يا نفسي الي موضع راحتك لأن الرب قد أحسن اليك " وبقية القول . وهكذا جاء الي قلايته ، وأمضي بقية عمره حسب.
( د ) عنصر الخفاء في الصوم
علمت في بعض القلالي أغابي وتفسيرها " المحبة " ، وتقال بلغة القبط( افراشي ) ، وتفسيرها " الفرح " ، وجلسوا يأكلون ، وكان بينهم أخه لا يأكل طبيخا ، فقال أحد الأخوة للخادم :
" أن ههنا أخا لا يأكل طبيخا قط ، وهو يريد قليلا من الماء والملح ، فأعلي الخادم صوته ونادي خادما آخر : " أن الأخ فلان لا يأكل طبيخاً ، فأحضر له قليلا من الماء والملح ".
فقام أحد الشيوخ من المائدة وقال له : " لقد كان خير لك لو جلست في قلايتك وأكلت لحما ، من ان تصدر عنك هذه الغضبة هكذا علي رؤوس الملأ " .
عندما يحل القانون
+ مرة زار أنبا أولونيوس أسقف فيلوابولاوس في جبل انطونيوس الأب سيصوي ولما عزم علي الأنصراف جعله يتغذي باكرا قبل انصرافه وكان صوما ، فلما وضعت المائدة ، اذا قوم يقرعون الباب ، فقال لتلميذه : " قدم لهم قليلا من الطبيخ " فقال الأسقف : " دعهم الآن لئلا يقولوا ان سيصوي يأكل باكراً " فتأمله الشيخ وقال للأخ : " امضي اعطهم " فلما أبصروا الطبيخ ، قالوا للأخ : " يا تري هل عندكم ضيوف ، والشيخ يأكل معهم ؟ " قال نعم ، فحزنوا قائلين : " لماذا ترتكم الشيخ يأكل في مثل هذا الوقت ؟ أما تعلمون أن الشيخ يعذب ذاته أياما كثيرة بسبب هذه الأكلة ؟ " فلما سمع السقف هذا الكلام ، صنع مطانية قائلا : " أغفر لي يا أبي لأني تفكرت فكرا بشريا ، أما أنت فقد صنعت أوامر الله " ، فقال الشيخ : " أن لم يمجد الله الانسان ، فمجد الناس ليس شيئاً .
+ وحدث مرة أيضاً أن زاره أنبا قسيانوس ، والقديس جرمانوس ، وهما شيخان من فلسطين ، فاحتفل بضيافتهما ، فسألاه لأي سبب لا تحفظوا رسوم صومكم في وقت ضيافكيم الاخوة الغرباء علي ما عرفناه في بلدنا فسلطين ؟
فأجابهم قائلا : " أن الصوم معي دائما ، وأما أنت فلست معي دائما ، والصوم شيء نافع لازم ، وهومن نيتنا ومن أرادتنا ، وأما أكمال المحبة فيطالبنا به ناموس الله بلازم الاضطرار ، فبكم أقبل المسيح ويوجب علي دينا لازما بأن أخدمه بكل حرص ، فاذا شيعتكم امكنني استعادة صومي ، وذلك ان ابناء العرس لا يستطيعون ان يصوموا مدام العريس معهم ، فمتي رفع الحتن فحينئذ يصومون بسلطان ".
+ حدث أن أضاف اخوة بدير الأب سلوانس مع تلميذه زكريا وجعلوهما يتغذيان قبل انصرافهما ، وفي ذهابهما عطش التلميذ ، فلما وجد في الطريق ماء ليشرب ، منعه الشيخ قائلا : " لم يأت وقت الافطار بعد " فقال التلميذ : ألم نأكل قبل انصرافنا يا أبي ؟ ! " فقال له الشيخ : " أنه لأجل المحبة اكطلنا ، والآن لا نحل قانوننا " .
أما أنبا سيصوي الصعيدي فلم يكن يحل قانونه لأمر ما . جاء عنه انه كان ساكنا في غيضه وكان شيخ آخر مريضاً في ( السيق ) ، فلما سمع حزن ، لأنه كان يصوم يومين يومينن ، وكان ذلك اليوم من الأيام التي لا يأكل فيها ، فقال : " ماذا أصنع ؟ ان مضيت ربما الزمني الاخوة بأن آكل " ، وأن صبرت الي الغد ، فربما يتنيح الشيخ ، لكني هكذا اصنع ، أمضي ولا اكل " ، وفعلا مضي وأتم وصية الله ، ولم يحل قانونه ، وقد أخبر عنه أيضاً بعض الآباء ، أنه أراد وقتا ما أن يغلب النوم ، فعلق ذاته في صخرة ، فجاء ملاك الله وأوصاه الا يصنع مثل هذا ولا يجعل ذلك عادة لآخرين .
تدريب حياة الصوم والنسك الدائم
+ قال شيخ :
" حصن الراهب هو الصوم ، وسلاحه هو الصلاة ، فمر ليس له صوم دائم فلا يوجد حصن يمنع عنه العدو ، ومن ليست له صلا تقية ، فليس له سلاح يقاتل به العداء " .
+ اذعوا في برية مصر :
" ان الصيام الكبير قد بدأ ، فمر أخ بشيخ كبير وقال له : " لقد بدأ الصوم يا أبي "
فقال: " أي صيام يا ابني ؟ " .
فقال له الأخ : " الصيام الكبير !" .
فأجاب الشيخ وقال له : " حقاً أقول لك ، أن لي هنا 53 سنة ، لا أدري متي يبدأ الصوم الذي تقول لي عنه ولا متي ينتهي ،ولكن سيرة سنيني كلها واحدة " .
+ قيل عن الأب ديسقورس ( الشماس )
أن خبزه كان من شعير وعدس ، وفي كل سنة كان يرسم لنفسه خطة يبدأ بها جهاده قائلا مثلا : " في هذه السنة سوف لا التقي بانسان ، ولن أكلم أحدا وفي هذه السنة لن أكل طبيخاً ولن اتذوق ثمرة " ، وهكذا كان يصنع في كل خطة ، فاذا تمم احداها ، بدأ بالأخري ،وهكذا كان الحال طوال السنة ، وقد كان يقول : " أن كنا نلبس الثوب السمائي ، فلن نوجد عراة ، وأن وجدنا لابسين غير ذلك الثوب ، فماذا نصنع ؟ نخاف أن نسمع ذلك الصوت القائل : أخرجوه الي الظلمة القصوي ، هناك يكون البكاء وصرير الاسنان فالآن يا أخوتي ، قبيح بنا أن نقضي في لبس الاسكيم هذه السنين كلها ، وأن نوجد عراة في اليوم الأخير وليس علينا ثياب العرس ، فالويل لنا من تلك الندامة ، اذا ما نظرنا الي سائر الأبرار والصديقين ، وهم يصعدون الي السماء ، ونحن نساق الي العذاب " .
+ جاء عن الأب الاديوس
أنه أقام بالاسقيط 20 سنة بقلاية ، كان طعامه خبزا وملحا دائما ، واذا وافت ايام الفصح ، كان يقول : " ان الأخوة يأكلون خبزا وملحا ، فعلي أن آكل خبزا وأنا واقف " .
قال " أني أعرف انسانا من أهل القلالي ، هذا قد صام جمعة الفصح كلها ، فلما كان وقت الاجتماع في عشية السبت ، لم يحضر مع الاخوة ، لئلا يأكل شيئا مما يوضع علي المائدة ، بل عمل في قلايته يسيرا من السلق ، وأكله بغير زيت "