القلق
عظة الأربعاء 26 يناير 2011
لقداسة البابا شنودة
† في الظروف الحاضرة التي يضطرب فيها الناس، وتوجد مظاهرات في أماكن متعددة، والبعض قَلِقْ، أريد أن أكلمكم عن القلق.
معنى القلق:
هل تعرفون معنى القلق؟ الإنسان القلق يكون غير مطمئن، الأفكار تلف وتدور في مخه، وكلها أفكار سوداء وصعبة.
مصادر أو أسباب القلق:
هناك أسباب داخلية للقلق وهناك أسباب خارجية. والأسباب الداخلية مثل:-
† الخوف والشك من أسباب القلق:
القلق مصدره الخوف والشك وتوقع الشر، والقلق والخوف يسيران معاً سبب ونتيجة، أي القلق يسبب الخوف والخوف يسبب القلق.
† عدم الثقة بالنفس أو بالناس من أسباب القلق:
وأيضاً من ضمن أسباب القلق عدم الثقة بالنفس وعدم الثقة بالناس أحياناً، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. تعجبني عبارة داود النبي حينما قال: "إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام علي قتال، ففي ذلك أنا مطمئن" ونص الآية في الكتاب المقدس: "إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ" (سفر المزامير 27: 3) أي لا يهتز لجيش أو قتال.
† صِغَر النفس من أسباب القلق:
مثل طفل صغير يجد نفسه واقفاً بدون أحد والديه فيبكي. دون أن يحدث له أي ضرر! لكنه قلق كيف أنه يقف وحيداً ولا يوجد بجانبه معين لا أب ولا أم.
† التفكير المحدود من أسباب القلق:
مثل أم تتأخر ابنتها عن الرجوع للبيت، فتظل قلقه وتدخلها الشكوك أن لا بد هناك شيء سيء حدث لابنتها، وقد تظن أنها خطفت، وتظل هكذا إلى أن تعود ابنتها للبيت. هنا سبب آخر للقلق وهو التركيز على نقطة واحدة لا غير، فالمفروض أن يكون الإنسان عقله واسع، فهذه الأم إذا كانت تفكر بعقل واسع ستدرك أن هناك أسباب أخرى لـتأخير ابنتها بخلاف مسألة خطفها، فقد تكون ذهبت لإحدى صديقاتها، أو انشغلت في اجتماع ...إلخ هناك أسباب كثيرة. فلا يجب التركيز على نقطة واحدة تسبب القلق.
أسباب خارجية للقلق:
† الضيقات: أحياناً القلق يأتي نتيجة تعرض الإنسان لضيقة لا يجد لها حلاً، فيبدأ في القلق، ويبدأ في التخيلات والتصورات ويتخيل أشياء كثيرة ستحدث، وكل هذا يسبب له القلق. المفروض أن مثل هذا الإنسان يكون عنده قليل من الإيمان أن الله قد يتدخل.
† قلق البنات من التأخر في الزواج:
عندما تتأخر فتاة في الزواج - خاصة أن هناك مشكلة بطالة تعاني منها الكثير من الدول حتى أصبح من الصعب على الشباب توفير احتياجات الزواج، مما تسبب في تأخر سن الزواج -تظل هذه البنت قلقة بشأن عدم زواجها، وقد تعتقد أن هناك عيب بها شخصياً. وكلما تكبر في السن يزداد قلقها.
أتذكر عندما كنت أسقف عام 1963 أي منذ 47 سنة كنت أذهب أسابيع نهضة في بعض البلاد، وكنت ألقي العظة ليلاً وفي الصباح يأتي لي بعض الناس للاعتراف أو لطلب توجيه في موضوع معين، ففي أحد المرات جاءتني فتاة تحكي لي مشكلتها فقالت: "كلما يأتي لي عريس ينصرف عني ولا يعود مرة أخرى، وأصبحت أخاف من قدوم أي عريس حتى لا أواجه نفس الموقف مرة أخرى، أحياناً أهلي يصممون أن أقابل العريس، فأضطر لمقابلته وأنا في حالة اضطراب وخوف لئلا ينصرف عني أيضاً ولا يعود". قلت لها: "هذا الخوف والاضطراب هو الذي سيجعل العريس ينصرف عنك، لابد أن يكون لديكِ أمل وتقابليه وأنتِ هادئة، حتى لو انصرف بعد ذلك تكونين قد جلستي معه في هدوء بال".
† ارتكاب خطيئة كبيرة من أسباب القلق:
أحياناً القلق يأتي من ارتكاب خطيئة معينة، فيظل الإنسان قلقاً وخائفاً من اكتشافها الذي قد يسبب له العقوبة أو الفضيحة. مثل:-
خطيئة القتل تسبب القلق:
قد يقتل الإنسان شخص ويكون حريصاً ألا يترك أثر لجريمته ولكنه يظل قلق خوفاً من أن يجد أحدهم أثر يدل عليه، لذلك قال بعض علماء النفس أن القاتل أحياناً يتردد على مكان الجريمة بضعة أيام لكي يعرف أي أخبار.
أتذكر قصة قرأتها منذ زمن عن شاب كان يعيش مع عمه وعمه ليس له أحد غيره لذلك هو الوريث الوحيد لعمه. هذا الشاب كان ينتظر موت عمه حتى يرث أمواله وعندما تأخر ذلك فكر في قتله، وكان هذا الشاب يعلم أن القاتل قد يترك أي دليل نتيجة لعدم حرصه، لذلك كان حريصاً جداً ألا يترك أي أثر له بعد ارتكابه الجريمة. وبعد أن تلقى العزاء من الناس في عمه، وأثناء سيره في الطريق قابله ضابط بالبوليس وقال له: "أحب أن أعزيك في عمك، وقد كان رجلاً طيباً وكل الناس يحبونه، وهو كان يحبك" فشكره، ثم قال له الضابط: "ما هذه النقطة الحمراء التي على قميصك؟" فارتبك الشاب جداً وظهر عليه الاضطراب الواضح لأنه رغم حرصه ألا يترك أي أثر له في مكان الجريمة إلا أنه لم يتأكد من عدم وجود أثر للدماء على ملابسه. ونظراً لخبرة ضابط البوليس لاحظ هذا الارتباك والاضطراب عليه فألقى عليه القبض، وهنا انهار هذا الشاب واعترف بجريمته، وبعد أن اعترف طلب منه الضابط أن يوقع على اعترافاته فأخرج من جيبه قلمه الحبر الأحمر وفي هذه اللحظة اكتشف أن نقطة حبر من هذا القلم هي التي ظهرت على قميصه ونظراً لارتباكه وقلقه ظنها دم مما دفعه للاعتراف.
خطيئة الزنا:
قد تقع فتاة في حب شاب، وتزداد العواطف بينهما إلى أن يخطئ هذا الشاب إليها ويُفْقِدها بكوريتها. فتظل في قلق هل حدث حمل نتيجة هذا الخطأ أم لا؟ فإذا تأكدت أنه لم يحدث حمل تظل قلقة أيضاً كيف ستتزوج وقد فقدت بتوليتها؟ وهل تلجأ للغش وخديعة من سيتزوجها؟ وهل من سيتزوجها سيدري بأمرها أم لا ؟؟ هل ستجلب الفضيحة لأهلها؟ وتظل في قلق يتعبها سنين وأيام بسبب هذه الخطيئة.
خطيئة التزوير أو أخذ رشوة:
مثل إنسان يرتكب جريمة تزوير أو رشوة، فيظل قلقاً هل سينكشف أمره أم لا؟
كل إنسان يخشى من اكتشاف خطيئته يعيش في قلق..
قلق الطلبة في فترة الامتحانات:
أحياناً القلق يصيب الطالب أثناء فترة الامتحانات. فهو لا يعلم هل سيأتي الامتحان سهل أم صعب؟ وإن كان شفوي لا يعلم إذا كان الممتحن طيب أم شديد؟! هل ستأتي الأسئلة معقدة أم عادية؟ ويظل في قلق ويلازمه القلق إلى أن تظهر النتيجة وقبل النتيجة يكون قلق هل سيكون من الناجحين أم من الراسبين؟ وإذا كان من الناجحين هل سيحصل على مجموع أم لا؟ وإن حصل على مجموع هل سيكون هذا المجموع عالي يسمح بدخوله كلية محترمة .... إلخ ويظل القلق يتعبه.
المنافسة:
أو يدخل بعض الناس في منافسة مع رجل قوي فيظلون في قلق، هل سينتصرون أم لا؟ ويستمر القلق.
المرض:
قد يصاب المريض بالقلق، مثل مريض اكتشف وجود ورم بجسمه فيذهب لعمل فحوص وتحاليل ويعيش في قلق قبل أن يعرف نتيجة الفحوص والتحاليل. هل هذا الورم حميد أم خبيث؟ وماذا سيفعل لو كان هذا الورم خبيث؟
أو شخص تتطلب حالته عمل عملية جراحية، فيظل في قلق، هل ستأتي العملية بنتيجة؟ أم لا؟
وجود أعداء:
قد يصاب الإنسان بقلق من تدابير الأعداء، أو يخشى من خيانة صديق أو قريب أو خيانة شريك أو إيصال أمانة.
ارتكاب أعمال في الخفاء:
قد يقوم إنسان بعمل شيء معين ويخشى من اكتشافه، فيخاف من ذكاء شخص كتوم أي شخص بنظرته يستطيع أن يعرف كل الأمور ولكنه يكتم ولا يقول. ويظل هذا الشخص قلق لأنه لا يدري هل أكتشف أمره أم لا.
وهكذا أي عمل يعمله إنسان في الخفاء، يظل في قلق هل الذين حوله يدرون بأمره أم لا، تساوره شكوك مثل قد يكون هناك من سجل ما فعله. وهل يدري أحد بما قلته أم لا. خاصة أن جهاز التسجيل أصبح من السهل حمله في الجيب.
أو زوج ينظر لامرأته نظرة مريبة دون أن يتكلم، فتشعر بقلق مما وراء هذه النظرة، وإذا كانت قد أخفت عليه شيء تظل قلقة ويأتيها شكوك أن زوجها ينظر إليها لأنه عرف هذا الموضوع الذي أخفته عنه. أو من أن يكون هناك من أبلغه بهذا الأمر، وتظل في قلق.
أنواع أخرى من القلق:
† هناك من يقلق على مشاعر شخص معين ويتساءل هل تضايق مني أم لا؟! أتذكر أنني في السنوات الأولى لي في الرهبنة كان لدينا راهب موسوس وعندما أمر عليه يسألني: "يا قدس أبونا هل أنت متضايق مني؟!" فأقول له: "لا يا قدس أبونا لست متضايق." فيقول لي: "الحمد لله.. الحمد لله"! هذا الراهب عنده قلق، فأي كلمة أقولها له قد يأخذها بمعنى ويقلق بسبب هذا المعنى. وهذا المعنى يسبب له ألف معنى.
† كذلك هناك إنسان يعيش في قلق قبل صدور الحكم عليه، وتدور به الأفكار، يا ترى ماذا سيكون الحكم؟! وإذا حكموا عليه بالإدانة يظل في قلق، كيف ستتم معاقبته وكيف سيواجه ذلك؟ وكيف سيحتملها؟
† هناك من يعيشون في قلق نتيجة خوفهم من المستقبل، يا ترى ماذا سيكون المستقبل؟! كثيراً ما يُحال موظف إلى المعاش المبكر، ومرتبه قليل يظل في قلق كيف سيعيش.
† أو إنسان تقدم به السن، وهاجر أحد أبناءه خارج البلاد، والابن الآخر جاءته وظيفة في الصعيد، والابن الثالث جاءته وظيفة في بلد أخرى والكل تزوج وتركوه وظل هو بمفرده في شيخوخته، فيعيش في قلق.. لذلك نحن نقيم بيوت للمسنين يستريحون فيها إلى حد كبير ولا يكون لديهم قلق ولا تعب.
† هناك شخص يظل في قلق من أجل اختيار طريق الحياة، فعندما يصل إلى سن معينة يتساءل: هل أدخل الرهبنة أم أتزوج أم أكرس وأعيش خادم بتول أو خادم متزوج ويظل في حيرة وقلق وتعب. حتى لو أراد الدخول في الرهبنة يقلق أي دير يدخله؟!
† أو إنسان يقلق لأنه أقام مشروع ولا يدري هل سينجح هذا المشروع أم لا. أو يقلق من أجل رهان معين أو من أجل البورصة أو من أجل مسابقة.
علاج القلق:
المهم في علاج القلق أن الإنسان يضع ثقته في الله، ويثق بأن الله لابد سيعمل. الذي لديه هذا الإيمان لا يمكن أن يقلق، حتى لو قامت الدنيا ثم قعدت لا يقلق. وهناك مقالة نشرتها الأسبوع الماضي في الأهرام، أولها: "حينما تجد كل الأبواب مغلقة أمامك، ارفع نظرك إلى فوق فتجد باباً مفتوحاً في السماء، الله الذي يفتح ولا أحد يغلق". وضع في مخك أن كل مشكلة لها حل. فلا تقلق. الله يعطيكم السلام والفرح.