مات يعقوب غريبًا في أرض مصر بعد أن أوصى أولاده بدفنه في كنعان في مقبرة آبائه، وكأنه وقد أدرك أن بذرة شعب الله قد غرست في مصر لتنمو وتترعرع، يطلب من هذا الشعب أن يبقى قلبه متعلقًا بكنعان أرض الموعد حتى يتمتع بوعود الله.
١. تحنيط يعقوب ١-٦
٢. دفن يعقوب في كنعان ٧-١٣
٣. يوسف يطيب قلب إخوته ١٤-٢١
٤. يوسف يوصي بعظامه ٢٢-٢٦
١. تحنيط يعقوب:
عاش يعقوب كآبائه متغربًا في خيام، غير مستقر في موضع، وانتهت حياته على الأرض وهو غريب في مصر، وقد أصر في وصيته الوداعية أن يدفن في كنعان في مغارة المكفيلة حيث دفن فيها إبراهيم وسارة وإسحق ورفقة... وربما يتساءل: لماذا اهتم رجل الإيمان، أب جميع الأسباط بهذا الأمر، وجعله الوصية الوداعية لكل أولاده؟ هل يهمه الجسد بعد موته؟
أولاً: يؤكد الآباء أن رجال العهد القديم كانوا يهتمون في وصيتهم بدفن أجسادهم في موضع معين كتسليم ملموس خلاله يدرك أولادهم قيامة الجسد... فقد عاش هؤلاء الآباء كغرباء حارمين أجسادهم من الترف والتدلل لكنهم ينتظرون أن يحملوه جسدًا ممجدًا في يوم الرب العظيم.
ثانيًا: أراد أن يؤكد يعقوب لأولاده بدفنه في كنعان... إنه وإن عاش أواخر أيامه في مصر حيث أنقذ يوسف العائلة من المجاعة لكن قلبه في كنعان التي وعد الله بها إبراهيم أن يتمتع بها نسله، وكأن يعقوب يطلب من أولاده أن يعيشوا في مصر عاملين بأمانة وجهاد أما قلبهم فيلتصق بمواعيد الله لهم.
ثالثًا: طلب أن يُدفن مع آبائه ليعلن أن حياته كلها كانت تسير في تناغم وانسجام مع إيمان آبائه المسلم عبر الأجيال... خاصة إيمانه بالقيامة من الأموات.
على أي الأحوال إذ مات يعقوب تأثر يوسف جدًا فقد وقع "على وجه أبيه وبكى علي وقبَّله" [١]، وكأنه تحقق وعد الله حين قال له: "لا تخف من النزول إلى مصر، لأني أجعلك أمة عظيمة هناك، أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أصعدك أيضًا، ويضع يوسف يده على عينيك" (تك ٤٦: ٤)، أي يضع يده على عينيه عند موته ليغمضهما كما هي العادة إلى يومنا هذا.
أمر يوسف عبيده الأطباء أن يحنطوا أباه حتى يحمله إلى كنعان، وطلب من بيت فرعون أن يسألوا فرعون لكي يسمح لهم بحمل جثمان أبيه إلى كنعان كوصيته، إذ لم يكن ممكنًا ليوسف أن يقابل فرعون بثياب الحزن أو بلحيته التي أطلقها لأجل الميت.
٢. دفن يعقوب في كنعان:
تحرك الموكب العظيم من جاسان لينطلق إلى أرض كنعان لدفن إسرائيل، إذ قال يوسف: "أصعد لأدفن أبي" [٥]. وكان الموكب في عيني يوسف كما في عيني فرعون نفسه [٦] موكب صعود لا نزول، إذ حمل رمزًا لارتفاع الكنيسة نحو أورشليم العليا، كنعان الحقيقية، لتوجد مع عريسها أبديًا.
وقد تمت مراسم الدفن أو تحركات الموكب على ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: انطلاق الموكب من مصر، وقد وصفه الكتاب: "كان الجيش كثيرًا جدًا" [٩]. لقد ضم الموكب في مقدمته يوسف وهو القائد الحقيقي لموكبنا الروحي الغالب للظلمة، كقول الرسول: "لكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (٢ كو ٢: ١٤). كما يضم الموكب جميع عبيد فرعون وشيوخ بيته وجميع شيوخ أرض مصر وكل بيت يوسف واخوته وبيت أبيه، وصعد معه مركبات وفرسان. إنه موكب الكنيسة الجامعة التي تضم كل رجال الإيمان من الأمم كما من اليهود، تضم العبيد مع الشيوخ العظماء. وقد انطلق بمركبات وفرسان كأنه جيش عظيم جدًا، فهو في حالة حرب مستمر لا مع لحم ودم بل قوات الشر الروحية في السمويات (أف ٦)، حرب روحية ضد الخطية والأرواح الشريرة. وقد تحدث كثير من الآباء عن هذه الحرب الروحية وتمتعنا بالجندية الروحية خلال مياه المعمودية للانطلاق نحو السماء في غلبة ونصرة بالروح القدس. يقول القديس كبريانوس: [لقد أردت أن أحارب بشجاعة، واضعًا في ذهني السر Sacramentum الذي لي، حاملاً سلاحيّ التكريس والإيمان[464]]. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما يُطبع الختم على الجند هكذا يطبع الروح القدس على المؤمن[465]]، ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [الآن ينقش أسمك وتُدعى للدخول إلى المعسكر (الروحي)[466]].
في مصر الرمزية إذ ينطلق المؤمن كجيش عظيم جدًا يحارب خطايا بلا حصر، إنما يعيش وسط الدموع والبكاء، كما فعل المصريون إذ ناحوا سبعين يومًا [٣]. خروجنا من محبة العالم تحتاج إلى جهاد روحي غير منقطع حتى تتحرر أعماقنا من الرباطات الزمنية بالمسيح يسوع قائد الموكب.
الخطوة الثانية: كان الموكب عند عبر الأردن في "بيدر أطاد"، وكان يمثل الكنيسة التي اشتهت الخروج من محبة العالم إلى التمتع بالحياة السماوية خلال عبورها المعمودية المقدسة. هنا يقف الموكب سبعة أيام ليصنع مناحة مرة، إذ قيل: "فلما رأى أهل البلاد الكنعانيون المناحة في بيدر أطاد قالوا: هذه مناحة ثقيلة للمصريين، لذلك دُعى أسمه إبل مصرايم الذي في عبر الأردن" [١١-١٢]. تلتحم المعمودية بالمناحة لمدة سبعة أيام، إذ يلتحم ميلادنا الجديد في الجرن المقدس بالتوبة المستمرة كل أيام غربتنا. وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي: [من يتقبل حميم التجديد يشبه جنديًا صغيرًا أُعطى له مكان بين المصارعين، لكنه لم يبرهن بعد على استحقاقه للجندية[467]].
الخطوة الثالثة: إذ بلغوا أرض كنعان لم نسمع عن دموع أو بكاء، وكأن الدخول إلى كنعان السماوية ينزع عن الكنيسة آلامها. وكما قيل في سفر الرؤيا: "وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤ ٢١: ٤).
دخل يعقوب إلى ذات المغارة التي دفن فيها أبوه إبراهيم، وكأن الكنيسة المتغربة قد استراحت واستقرت في حضن إبراهيم.
٣. يوسف يطيب قلب إخوته:
ظن أولاد يعقوب أن يوسف ينتقم لنفسه بعد موت أبيهم ويرد عليهم الشر الذي فعلوه به، فجاءوا إليه يطلبون باسم أبيه وحسب وصيته أن يصفح عن ذنبهم، أما هو فلم يحتمل توسلهم في لطف زائد انهمرت الدموع من عينيه. هنا أزداد يوسف مهابة في عيني إخوته فسجدوا أمامه، قائلين: "ها نحن عبيدك".
لقد نجح يوسف وتعّظم لا بتوليه المركز الثاني في مصر بعد فرعون وإنما بأتساع قلبه بالحب، متمتعًا لا ببر الناموس خلال تنفيذه لوصاياه وإنما حقق الوصية الإنجيلية خلال عهد الناموس. لم يرد الشر بالشر، ولا توقف حتى عند المغفرة للذين أخطأوا في حقه، لكنه لم يحتمل مذلتهم فبكى، ولم ير شرهم بل يدّ الله التي حولت الشر إلى خير للجميع، معلنًا اهتمامه بهم وحبه لهم وإعالته لهم ولأولادهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). لقد تمم وصايا الإنجيل التي يستثقلها أحيانًا أبناء العهد الجديد.
لقد صارت كلمات يوسف لإخوته: "أنتم قصدتم لي شرًا أما الله فقصد به خيرًا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبًا كثيرًا" منهجًا حيًا يجد فيه الروحيون كشفًا لأسرار الله ومعاملاته معهم.
لعل رجوع إخوة يوسف إلى أخيهم بالتوبة يشير إلى عودة اليهود في آخر الأزمنة إلى الإيمان بقبولهم السيد المسيح الذي رفضوه، وذلك بعد كمال كنيسة الأمم، فيطلبون الصفح عما ارتكبوه، متخلين عن اعتدادهم الذاتي وفكرهم الصهيوني فلا يعيشون بعد كدولة متعصبة بل كمؤمنين يقبلون من سبق لهم أن اضطهدوه.
٤. يوسف يوصي بعظامه:
إن كان يوسف في محبته لإخوته عزاهم وطيب خاطرهم بقوله: "لا تخافوا، أنا أعولكم وأولادكم" [٢١]، فقد كشف لهم في وصيته الوداعية أن الله وحده هو الذي يعولهم ويهتم بهم أما هو فيموت، إذ يقول: "أنا أموت، ولكن الله سيفتقدكم ويصعدكم من هذه الأرض إلى الأرض التي حلف لإبراهيم وإسحق ويعقوب" [٢٤]، الأمر الذي تحقق على يديّ موسى ويشوع.
لقد عاش بإيمان آبائه متأكدًا أن شعبه لابد أن ينطلق إلى أرض كنعان، لذلك استحلفهم قائلاً: "الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا" [٣٥]، إشارة إلى رغبته في مشاركة شعبه الخروج من أرض العبودية ولو خلال عظامه.
أخيرًا انتهى سفر التكوين بموت يوسف وتحنيطه ووضعه في تابوت في مصر... وكما سبق وقلنا أن هذا السفر بدأ بالخلقة أي خروج الحياة من العدم بعمل الله، وانتهى بدخول الإنسان في الأكفان في أرض مصر حيث التحنيط والأهرامات الضخمة والفنون والحضارة الأمور التي لم تستطع أن تخلصه من الموت وذلك بسبب فساده الداخلي.
إن كان الله قد سمح أن يبدأ في تكوين شعبه المختار كخميرة – وسط الشعوب الوثنية – في ذلك الوقت ، على أرض مصر .. هذا الشعب العبرانى الذي يمثل كنيسة العهد القديم .. وفيه عاش البطاركة العظام الأوائل : إبراهيم وإسحق ويعقوب .. فإنه إشارة روحية لتكون أرض مصر وبطاركتها ؛ هى مقر وقيادة كنيسة العهد الجديد .. التي حفظت الإيمان على مر العصور وقدمت آلاف الشهداء ، ومازالت إلى اليوم ترعى الإيمان المستقيم ولا تحيد عنه .. شكرا لألهنا ومسيحنا ..
على هذه الصخرة ابنى كنيستى وابواب الجحيم لن تقوى عليها
وله كل المجد إلى الأبد
آمين.
١. تحنيط يعقوب ١-٦
٢. دفن يعقوب في كنعان ٧-١٣
٣. يوسف يطيب قلب إخوته ١٤-٢١
٤. يوسف يوصي بعظامه ٢٢-٢٦
١. تحنيط يعقوب:
عاش يعقوب كآبائه متغربًا في خيام، غير مستقر في موضع، وانتهت حياته على الأرض وهو غريب في مصر، وقد أصر في وصيته الوداعية أن يدفن في كنعان في مغارة المكفيلة حيث دفن فيها إبراهيم وسارة وإسحق ورفقة... وربما يتساءل: لماذا اهتم رجل الإيمان، أب جميع الأسباط بهذا الأمر، وجعله الوصية الوداعية لكل أولاده؟ هل يهمه الجسد بعد موته؟
أولاً: يؤكد الآباء أن رجال العهد القديم كانوا يهتمون في وصيتهم بدفن أجسادهم في موضع معين كتسليم ملموس خلاله يدرك أولادهم قيامة الجسد... فقد عاش هؤلاء الآباء كغرباء حارمين أجسادهم من الترف والتدلل لكنهم ينتظرون أن يحملوه جسدًا ممجدًا في يوم الرب العظيم.
ثانيًا: أراد أن يؤكد يعقوب لأولاده بدفنه في كنعان... إنه وإن عاش أواخر أيامه في مصر حيث أنقذ يوسف العائلة من المجاعة لكن قلبه في كنعان التي وعد الله بها إبراهيم أن يتمتع بها نسله، وكأن يعقوب يطلب من أولاده أن يعيشوا في مصر عاملين بأمانة وجهاد أما قلبهم فيلتصق بمواعيد الله لهم.
ثالثًا: طلب أن يُدفن مع آبائه ليعلن أن حياته كلها كانت تسير في تناغم وانسجام مع إيمان آبائه المسلم عبر الأجيال... خاصة إيمانه بالقيامة من الأموات.
على أي الأحوال إذ مات يعقوب تأثر يوسف جدًا فقد وقع "على وجه أبيه وبكى علي وقبَّله" [١]، وكأنه تحقق وعد الله حين قال له: "لا تخف من النزول إلى مصر، لأني أجعلك أمة عظيمة هناك، أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أصعدك أيضًا، ويضع يوسف يده على عينيك" (تك ٤٦: ٤)، أي يضع يده على عينيه عند موته ليغمضهما كما هي العادة إلى يومنا هذا.
أمر يوسف عبيده الأطباء أن يحنطوا أباه حتى يحمله إلى كنعان، وطلب من بيت فرعون أن يسألوا فرعون لكي يسمح لهم بحمل جثمان أبيه إلى كنعان كوصيته، إذ لم يكن ممكنًا ليوسف أن يقابل فرعون بثياب الحزن أو بلحيته التي أطلقها لأجل الميت.
٢. دفن يعقوب في كنعان:
تحرك الموكب العظيم من جاسان لينطلق إلى أرض كنعان لدفن إسرائيل، إذ قال يوسف: "أصعد لأدفن أبي" [٥]. وكان الموكب في عيني يوسف كما في عيني فرعون نفسه [٦] موكب صعود لا نزول، إذ حمل رمزًا لارتفاع الكنيسة نحو أورشليم العليا، كنعان الحقيقية، لتوجد مع عريسها أبديًا.
وقد تمت مراسم الدفن أو تحركات الموكب على ثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: انطلاق الموكب من مصر، وقد وصفه الكتاب: "كان الجيش كثيرًا جدًا" [٩]. لقد ضم الموكب في مقدمته يوسف وهو القائد الحقيقي لموكبنا الروحي الغالب للظلمة، كقول الرسول: "لكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (٢ كو ٢: ١٤). كما يضم الموكب جميع عبيد فرعون وشيوخ بيته وجميع شيوخ أرض مصر وكل بيت يوسف واخوته وبيت أبيه، وصعد معه مركبات وفرسان. إنه موكب الكنيسة الجامعة التي تضم كل رجال الإيمان من الأمم كما من اليهود، تضم العبيد مع الشيوخ العظماء. وقد انطلق بمركبات وفرسان كأنه جيش عظيم جدًا، فهو في حالة حرب مستمر لا مع لحم ودم بل قوات الشر الروحية في السمويات (أف ٦)، حرب روحية ضد الخطية والأرواح الشريرة. وقد تحدث كثير من الآباء عن هذه الحرب الروحية وتمتعنا بالجندية الروحية خلال مياه المعمودية للانطلاق نحو السماء في غلبة ونصرة بالروح القدس. يقول القديس كبريانوس: [لقد أردت أن أحارب بشجاعة، واضعًا في ذهني السر Sacramentum الذي لي، حاملاً سلاحيّ التكريس والإيمان[464]]. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما يُطبع الختم على الجند هكذا يطبع الروح القدس على المؤمن[465]]، ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [الآن ينقش أسمك وتُدعى للدخول إلى المعسكر (الروحي)[466]].
في مصر الرمزية إذ ينطلق المؤمن كجيش عظيم جدًا يحارب خطايا بلا حصر، إنما يعيش وسط الدموع والبكاء، كما فعل المصريون إذ ناحوا سبعين يومًا [٣]. خروجنا من محبة العالم تحتاج إلى جهاد روحي غير منقطع حتى تتحرر أعماقنا من الرباطات الزمنية بالمسيح يسوع قائد الموكب.
الخطوة الثانية: كان الموكب عند عبر الأردن في "بيدر أطاد"، وكان يمثل الكنيسة التي اشتهت الخروج من محبة العالم إلى التمتع بالحياة السماوية خلال عبورها المعمودية المقدسة. هنا يقف الموكب سبعة أيام ليصنع مناحة مرة، إذ قيل: "فلما رأى أهل البلاد الكنعانيون المناحة في بيدر أطاد قالوا: هذه مناحة ثقيلة للمصريين، لذلك دُعى أسمه إبل مصرايم الذي في عبر الأردن" [١١-١٢]. تلتحم المعمودية بالمناحة لمدة سبعة أيام، إذ يلتحم ميلادنا الجديد في الجرن المقدس بالتوبة المستمرة كل أيام غربتنا. وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي: [من يتقبل حميم التجديد يشبه جنديًا صغيرًا أُعطى له مكان بين المصارعين، لكنه لم يبرهن بعد على استحقاقه للجندية[467]].
الخطوة الثالثة: إذ بلغوا أرض كنعان لم نسمع عن دموع أو بكاء، وكأن الدخول إلى كنعان السماوية ينزع عن الكنيسة آلامها. وكما قيل في سفر الرؤيا: "وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤ ٢١: ٤).
دخل يعقوب إلى ذات المغارة التي دفن فيها أبوه إبراهيم، وكأن الكنيسة المتغربة قد استراحت واستقرت في حضن إبراهيم.
٣. يوسف يطيب قلب إخوته:
ظن أولاد يعقوب أن يوسف ينتقم لنفسه بعد موت أبيهم ويرد عليهم الشر الذي فعلوه به، فجاءوا إليه يطلبون باسم أبيه وحسب وصيته أن يصفح عن ذنبهم، أما هو فلم يحتمل توسلهم في لطف زائد انهمرت الدموع من عينيه. هنا أزداد يوسف مهابة في عيني إخوته فسجدوا أمامه، قائلين: "ها نحن عبيدك".
لقد نجح يوسف وتعّظم لا بتوليه المركز الثاني في مصر بعد فرعون وإنما بأتساع قلبه بالحب، متمتعًا لا ببر الناموس خلال تنفيذه لوصاياه وإنما حقق الوصية الإنجيلية خلال عهد الناموس. لم يرد الشر بالشر، ولا توقف حتى عند المغفرة للذين أخطأوا في حقه، لكنه لم يحتمل مذلتهم فبكى، ولم ير شرهم بل يدّ الله التي حولت الشر إلى خير للجميع، معلنًا اهتمامه بهم وحبه لهم وإعالته لهم ولأولادهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). لقد تمم وصايا الإنجيل التي يستثقلها أحيانًا أبناء العهد الجديد.
لقد صارت كلمات يوسف لإخوته: "أنتم قصدتم لي شرًا أما الله فقصد به خيرًا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبًا كثيرًا" منهجًا حيًا يجد فيه الروحيون كشفًا لأسرار الله ومعاملاته معهم.
لعل رجوع إخوة يوسف إلى أخيهم بالتوبة يشير إلى عودة اليهود في آخر الأزمنة إلى الإيمان بقبولهم السيد المسيح الذي رفضوه، وذلك بعد كمال كنيسة الأمم، فيطلبون الصفح عما ارتكبوه، متخلين عن اعتدادهم الذاتي وفكرهم الصهيوني فلا يعيشون بعد كدولة متعصبة بل كمؤمنين يقبلون من سبق لهم أن اضطهدوه.
٤. يوسف يوصي بعظامه:
إن كان يوسف في محبته لإخوته عزاهم وطيب خاطرهم بقوله: "لا تخافوا، أنا أعولكم وأولادكم" [٢١]، فقد كشف لهم في وصيته الوداعية أن الله وحده هو الذي يعولهم ويهتم بهم أما هو فيموت، إذ يقول: "أنا أموت، ولكن الله سيفتقدكم ويصعدكم من هذه الأرض إلى الأرض التي حلف لإبراهيم وإسحق ويعقوب" [٢٤]، الأمر الذي تحقق على يديّ موسى ويشوع.
لقد عاش بإيمان آبائه متأكدًا أن شعبه لابد أن ينطلق إلى أرض كنعان، لذلك استحلفهم قائلاً: "الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا" [٣٥]، إشارة إلى رغبته في مشاركة شعبه الخروج من أرض العبودية ولو خلال عظامه.
أخيرًا انتهى سفر التكوين بموت يوسف وتحنيطه ووضعه في تابوت في مصر... وكما سبق وقلنا أن هذا السفر بدأ بالخلقة أي خروج الحياة من العدم بعمل الله، وانتهى بدخول الإنسان في الأكفان في أرض مصر حيث التحنيط والأهرامات الضخمة والفنون والحضارة الأمور التي لم تستطع أن تخلصه من الموت وذلك بسبب فساده الداخلي.
إن كان الله قد سمح أن يبدأ في تكوين شعبه المختار كخميرة – وسط الشعوب الوثنية – في ذلك الوقت ، على أرض مصر .. هذا الشعب العبرانى الذي يمثل كنيسة العهد القديم .. وفيه عاش البطاركة العظام الأوائل : إبراهيم وإسحق ويعقوب .. فإنه إشارة روحية لتكون أرض مصر وبطاركتها ؛ هى مقر وقيادة كنيسة العهد الجديد .. التي حفظت الإيمان على مر العصور وقدمت آلاف الشهداء ، ومازالت إلى اليوم ترعى الإيمان المستقيم ولا تحيد عنه .. شكرا لألهنا ومسيحنا ..
على هذه الصخرة ابنى كنيستى وابواب الجحيم لن تقوى عليها
وله كل المجد إلى الأبد
آمين.